الْمُحْسِنِينَ) (١٩٥) أي يثيبهم (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) أدوهما بحقوقهما (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) منعتم عن إتمامها بعدو (فَمَا اسْتَيْسَرَ) تيسر (مِنَ الْهَدْيِ) عليكم وهو شاة (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ) أي لا تتحللوا (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ) المذكور (مَحِلَّهُ) حيث يحل ذبحه وهو مكان الاحصار عند الشافعي فيذبح فيه بنية التحلل ويفرق على مساكينه ويحلق وبه يحصل التحلل (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ) كقمل وصداع فحلق في الاحرام (فَفِدْيَةٌ) عليه (مِنْ صِيامٍ) لثلاثة أيام (أَوْ صَدَقَةٍ) بثلاثة آصع من غالب قوت البلد على ستة مساكين (أَوْ نُسُكٍ) أي ذبح شاة وأو للتخيير وألحق به من خلق لغير عذر لأنه أولى بالكفارة وكذا من استمتع بغير الحلق كالطيب واللبس والدهن لعذر أو غيره (فَإِذا أَمِنْتُمْ) العدو بأن ذهب أو لم يكن (فَمَنْ تَمَتَّعَ)
____________________________________
قوله : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) المتبادر من الآية يشهد لقول الشافعي بوجوب العمرة عينا في العمر مرة كالحج ، وقال مالك بسنيتها في العمر مرة عينا ، وقرىء وأقيموا الحج والعمرة وهي تؤيد مذهب الشافعي سيما مع كون الأصل في الأمر الوجوب ، وحجة مالك أن المراد تمموهما إذا شرعتم فيهما ، ولا يلزم من وجوب الإتمام وجوب الإبتداء ، فالحاصل أن العلماء اتفقوا على وجوب الحج عينا في العمر مرة وما عدا ذلك فهو فرض كفاية لإقامة الموسم ، واتفقوا على مشروعية العمرة واختلفوا في حكمها ، فقال الشافعي بوجوبها كالحج وحمل الإتمام على الأداء ، وقال مالك بسنيتها وحمل الإتمام على حقيقته.
قوله : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) أي عن البيت ولم تتمكنوا من دخوله كما وقع للمصطفى صلىاللهعليهوسلم ، وهذا رفع للحرج الواقع في الأمر من قوله وأتموا. قوله : (تيسر) أشار بذلك إلى أن السين ليست لمعنى زائد ، بل استيسر وتيسر بمعنى واحد. قوله : (وهو شاة) أي ضأنا أو معزا مجزئة في الضحية. قوله : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ) أعلم أنه إذا اجتمع هدي وحلق فالهدي مقدم على الحلق ، فإذا اجتمع معهما رمي وطواف قدم الرمي ، ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف ، وضبطها بعضهم بقوله ونحط. قوله : (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) اعلم أنه اختلف في الهدي فقيل يؤمر به وهو قول الشافعي ، وعليه فإن لم يجد هديا قومه بطعام وأخرجه ، فإن لم يجد صام بعدد الأمداد ، وقيل لا يؤمر به ، والآية محمولة على من كان معه هدي تطوعا مثلا وهو قول مالك ، وعليه فإن لم يجد هديا فلا شيء عليه غير الحلق. قوله : (مَحِلَّهُ) وهو بالكسر يطلق على الزمان والمكان ، وبالفتح على المكان فقط. قوله : (عند الشافعي) أي ومالك أيضا فالمدار عندهما على مكان الإحصار حلالا أو حراما ، وقال أبو حنيفة لا بد أن يذبح بالحرم. قوله : (أَوْ بِهِ أَذىً) متعلق بمحذوف معطوف على مريضا الواقع خبرا لكان ، وقوله أذى فاعل بالجار والمجرور خبر مقدم ، وأذى مبتدأ مؤخر ، والجملة معطوفة على مريضا.
قوله : (فَفِدْيَةٌ) (عليه) قدره إشارة إلى أنه خبر المبتدأ ، والجملة جواب من. واعلم أن دماء الحج ثلاثة : فدية وهدي ، وقد ذكرهما هنا ، وجزاء وقد ذكره في المائدة ، فما كان عن إزالة أذى أو ترفه فهو فدية ، وما ترتب عن نقص في حج أو عمرة بفعل اختياري أو لا فهدي ، وما كان عن صيد فجزاء. قوله : (على ستة مساكين) أي لكل مسكين مدان. قوله : (لغير عذر) أي وإن كان حراما. قوله : (وكذا من استمتع بغير الحلق) أي فهو مقيس عليه. قوله : (بعذر أو غيره) راجع للثلاثة ، غير أن الحرمة فيما كان