من اليهود ثم كفر به (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٥٧) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَ) جادل (إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) ل (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) أي حمله بطره بنعم الله على ذلك وهو نمروذ (إِذْ) بدل من حاج (قالَ إِبْراهِيمُ) لما قال له من ربك الذي تدعونا إليه (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي بخلق الحياة والموت في الأجساد (قالَ) هو (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) بالقتل والعفو عنه ودعا برجلين فقتل أحدهما وترك الآخر فلما رآه غبيا (قالَ إِبْراهِيمُ) منتقلا إلى حجة أوضح (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها) أنت (مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) تحير ودهش
____________________________________
بجوابين : الأول أنه مشاكلة لما قبله والمراد منهم من أصل النور ، والثاني أنه إخراج حقيقي وهو في كل من آمن بالنبي قبل مبعثه ثم ارتد بعد ذلك ، وفي هذه الآية وعد من الله بالأمن للمؤمن من المخاوف دنيا وأخرى.
قوله : (أَلَمْ تَرَ) الاستفهام لتقرير النفي مع التعجيب ، والمعنى ألم ينته علمك إلى هذا الذي قابله الله بالجود والاحسان ، وقابل مولاه بالكفر والطغيان ، وهذا كالدليل لقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) الآية. فإن الشيطان طاغوت نمروذ وهو طاغوت غيره ما عدا إبراهيم ومن تبعه قوله : (إِلَى الَّذِي حَاجَ) لم يصرح باسمه تبكيتا له وإظهارا لقبحه. قوله : (جادل) أي مجادلة باطلة وهي مقابلة الحجة بالحجة فإبراهيم يجادل بالحق ، ونمروذ يجادل بالباطل. قوله : (فِي رَبِّهِ) أي إبراهيم فالإضافة للتشريف ، أو نمروذ والإضافة لإقامة الحجة عليه حيث نازع خالقه في وصفه. قوله : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) مفعول لأجله وهو مجرور باللام لفقد أحد شروطه وهو عدم اتحاد الفاعل ، لأن فاعل المحاججة النمروذ وفاعل إيتاء الملك هو الله ، قال ابن مالك : وإن شرط فقد. فاجرره بالحرف. وحذف الجار لأن حذفه مطرد مع أن وإن. قوله : (بطره) هو الاستخفاف بآلاء الله. قوله : (بنعم الله) أي وهي ملك الدنيا ، لأنه لم يملك إلا أربعة اثنان مسلمان ، واثنان كافران سليمان وذو القرنين ، والنمروذ وبختنصر. قوله : (وهو نمروذ) أي ابن كنعان حملت به أمه من زنا خوفا على ملك أبيه من الضياع حيث كان أبوه عقيما ، وهو أول من لبس التاج المكلل ، وهذه الواقعة كانت بعد إلقاء إبراهيم في النار ، وكان النمروذ قد ملك أقوات الأرض كلها ، فكان لا يعطي القوت إلا لمن آمن به ، فذهب إبراهيم إليه وطلب منه شيئا من القوت فامتنع حتى يتبعه ، فذهب إبراهيم إلى كثيب من رمل وملأ وعاءه فلما وصل منزله صار دقيقا فصار يأكل منه هو ومن تبعه. قوله : (بدل من حاج) أي بدل اشتمال. قوله : (لما قال له) ظرف لقوله قال إبراهيم ، أي قال إبراهيم ذلك وقت قوله له من ربك؟
قوله : (أَنَا أُحْيِي) الضمير قيل أن وحدها والألف زائدة لبيان الحركة في حالة الوقف ، وقيل بل كلها الضمير ، والصحيح أن فيه لغتين لغة تميم إثبات ألفه وصلا ووقفا ، والثانية إثباتها وقفا وحذفها وصلا. قوله : (غبيا) أي بليدا لا يفهم جوابا ولا يحسن خطابا ، وهو جواب عن سؤال مقدر حاصله أن ما وقع من إبراهيم ليس صناعة المناظرة لأنه كان الواجب إبطال حجة الأحياء والإماتة التي ادعاها اللعين أولا ثم ينتقل لحجة أخرى ، أجاب المفسر بأنه لما رآه غبيا لم يدقق عليه في ذلك وانتقل لحجة أخرى.