والسورة قطعة لها أول وآخر أقلها ثلاث آيات (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ) آلهتكم التي تعبدونها (مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره لتعينكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٣) في أن محمدا قاله من عند نفسه فافعلوا ذلك فإنكم عربيون فصحاء مثله ولما عجزوا عن ذلك قال تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) ما ذكر لعجزكم (وَلَنْ تَفْعَلُوا) ذلك أبدا لظهور إعجازه اعتراض (فَاتَّقُوا) بالإيمان بالله وأنه ليس من كلام البشر (النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ) الكفار (وَالْحِجارَةُ) كأصنامهم منها يعني أنها مفرطة الحرارة تتقد بما ذكر لا كنار الدنيا تتقد بالحطب ونحوه (أُعِدَّتْ) هيئت (لِلْكافِرِينَ) (٢٤) يعذبون بها جملة
____________________________________
والأول أقرب. قوله : (في البلاغة) هذا بيان لوجه المماثلة. قوله : (أقلها ثلاث آيات) ليس من تمام التعريف بل هو بيان للواقع فإن أقصر سورة ثلاث آيات ولو فرض أنها آيتان لعجزوا أيضا. قوله : (آلهتكم) إنما سموا شهداء لزعمهم أنه يشهدون لهم يوم القيامة. قوله : (أي غيره) أشار بذلك إلى أن دون بمعنى غيره ، والمعنى ادعوا شهداءكم الذين اتخذتموهم من دون الله أولياء أو آلهة وزعمتم أنها تشهد لكم يوم القيامة ، فقوله من دون الله وصف لشهداء أو حال منه وهو على زيادة من إذ تقديره شهداءكم التي هي غير الله أو حال كونها مغايرة لله ، وقوله لتعينكم علة لقوله ادعوا. قوله : (فافعلوا) إشارة إلى جواب الشرط الثاني ، وأما جواب الأول فهو مذكور بقوله فأتوا هكذا ، قال المفسر ولكن سيأتي له في قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ) الآية ، وللمحلي في تفسير قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا) الآية أنه إذا اجتمع شرطان وتوسط بينهما جواب كان للأخير والأول قيد فيه ولا يحتاج لجواب ثان ، والتقدير في الآية إن كنتم صادقين في دعواكم أنه من عند محمد ودمتم على الريب فائتوا بسورة من مثله وهو أولى لعدم التقدير. قوله : (فإنكم عربيون) علة لقوله فافعلوا.
قوله : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) إن حرف شرط ولم حرف نفي وجزم وقلب وتفعلوا مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون ، والجملة من الجازم والمجزوم في محل جزم فعل الشرط ، وقوله فاتقوا جواب الشرط وقرن بالفاء لأنه فعل طلبي. قوله : (أبدا) أخذ التأبيد من قرينة خارجية لا من لن خلافا للزمخشري. قوله : (اعتراض) أي جملة معترضة بين فعل الشرط وجوابه قصد بها تأكيد العجز وليس معطوفا على جملة (لم تفعلوا). قوله : (وأنه) بفتح الهمزة على حذف الجار أي وبأنه. قوله : (الَّتِي وَقُودُهَا) بفتح الواو : ما توقد به ، وأما بالضم فهو الفعل وقيل بالعكس على حد ما قيل في الوضوء والطهوز والسحور. قوله : (كأصنامهم منها) إنما خص الأصنام بكونها من الحجارة مسايرة للآية وإلا فالأصنام مطلقا تدخل النار ، قال تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) ويستثنى من ذلك عيسى والعزيز وكل معبود من الصالحين ، وإنما دخلت الأصنام النار وإن كانت غير مكلفة إهانة لعبادها وليعذبوا بها لا لتعذيبها. قوله : (بما ذكر) أي بالناس الكفار والحجارة. قوله : (لا كنار الدنيا) أي كما ورد أن نار الدنيا قطعة من جهنم غمست في البحر سبع مرات ثم بعد أخذها أوقد على جهنم ثلاثة آلاف سنة ، ألف حتى ابيضت وألف حتى احمرت ، وألف حتى اسودت ، فهي الآن سوداء مظلمة. قوله : (جملة مستأنفة إلخ) أشار بذلك إلى أن هذه الجملة لا ارتباط لها بما قبلها ، وقعت في جواب سؤال مقدر تقديره هذه النار التي وقودها الناس والحجارة لمن. قوله : (أو حال لازمة) أي والتقدير فاتقوا النار حال كونها معدة ومهيأة للكافرين ، ودفع بقوله لازمة ما قيل إنها معدة للكافرين اتقوا أو لم يتقوا.