(وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) من ابدائها وإيتائها الأغنياء أما صدقة الفرض فالأفضل إظهارها ليقتدى به ولئلايتهم ، وإيتاؤها الفقراء متعين (وَيُكَفِّرُ) بالياء وبالنون مجزوما بالعطف على محل فهو مرفوعا على الاستئناف (عَنْكُمْ مِنْ) بعض (سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٢٧١) عالم بباطنه كظاهره لا يخفى عليه شيء منه ، ولما منع صلىاللهعليهوسلم من التصدق على المشركين ليسلموا نزل (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) أي الناس إلى الدخول في الإسلام إنما عليك البلاغ (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) هدايته إلى الدخول فيه (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) مال (فَلِأَنْفُسِكُمْ) لأن ثوابه لها (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) أي ثوابه لا غيره من أعراض الدنيا خبر بمعنى النهي (وَما تُنْفِقُوا مِنْ
____________________________________
وتعطوها الأغنياء فنعما هي. قوله : (أي النوافل) أي فالمراد بالصدقات صدقات التطوع لأنها هي التي يصح اعطاؤها للأغنياء. قوله : (فَنِعِمَّا هِيَ) بكسر النون وفتحها قراءتان سبعيتان ، والعين مكسورة على كل حال ، والقياس فتح النون لأنه على وزن علم ، وإنما كسرت النون في القراءة الأخرى اتباعا لكسرة العين ، ونعم فعل ماض وما مميز وقيل فاعل وهي هو المخصوص بالمدح. قوله : (شيئا) تفسير لما ، وقوله : (ابداؤها) بيان لكون المخصوص على حذف مضاف قوله : (فالأفضل إظهارها) أي حيث كان مشهورا بالمال ولم يخش على نفسه تسلط الظلمة على مال. قوله : (وايتاؤها الفقراء متعين) التعيين بالنسبة للأغنياء وإلا فالأصناف التي تدفع لهم ثمانية مذكورة في سورة براءة. قوله : (بالياء) أي مع الرفع لا غير ، وقوله : (والنون) أي مع الجزم والرفع فالقراءات ثلاث ، فقول المفسر مجزوما ومرفوعا راجع لقوله والنون لا غير. قوله : (على محل فهو) أي مع خبره ومحله جزم لوقوعه جواب الشرط. قوله : (بعض) (سَيِّئاتِكُمْ) أشار بذلك إلى أن (مِنْ) للتبعيض لأن الصدقات لا تكفر جميع السيئات ، بخلاف التوبة فتكفر جميعها قوله : (لا يخفى عليه شيء منه) أي من العمل سرا أو جهرا ، فاسرار العمل لا يدل على الاخلاص ، واجهاره لا يدل على الرياء قوله : (ولما منع) أشار بذلك إلى سبب نزول الآية. قوله : (من التصدق على المشركين) أي الكفار الفقراء يهودا أو غيرهم. قوله : (ليسوا) أي ليضطروا فربما يترتب على ذلك إسلامهم.
قوله : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) أي لم يكلفك يا محمد ربك يخلق الهدى فيهم ، بل كلفك بتبليغ شرعه ، ويسمى هدى أيضا ، قال تعالى : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) بمعنى مبلغ ودال لهم على طريق الحق ، فتحصل أن الهدى يطلق بمعنى الدلالة وهو مكلف به الأنبياء والعلماء ، وبمعنى إيصال الخير للقلب ، وهو لم يكلف به أحد ، قال تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ومن هنا قول العارف : من نظر للخلق بعين الحقيقة عذرهم ، ومن نظر لهم بعين الشريعة مقتهم ، فعذرهم بالنظر لخلق الله الضلال والهدى في قلوبهم ، فالخالق للضلال والهدى والأفعال جميعها هو الله وحده ، فمن نظر لذلك لم يستقبح فعل أحد لأنه فعل الله في الحقيقة قال العارف :
إذا ما رأيت الله في الكل فاعلا |
|
رأيت جميع الكائنات ملاحا |
وإن لم تر إلا مظاهر صنعه |
|
حجبت فصيرت الحسان قباحا |
ومقتهم بالنظر للتكليف الظاهري فالعبد مجبور في قالب مختار قوله : (هدايته) قدره إشارة إلى مفعول يشاء قوله : (لأن ثوابه لها) أي فلا يضيع الثواب سواء تصدق على مؤمن أو مشرك. قوله : (لا غيره من أعراض الدنيا) أي فلا تجعلوا نفقاتكم عليه إلا لوجه الله لا لشيء آخر لأن من كان مقصده وجه الله فلا يخيب أبدا