العلماء منهم (وَالْأَحْبارُ) الفقهاء (بِمَا) أي بسبب الذي (اسْتُحْفِظُوا) استودعوه أي استحفظهم الله إياه (مِنْ كِتابِ اللهِ) أن يبدلوه (وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) أنه حق (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ) أيها اليهود في إظهار ما عندكم من نعت محمد صلىاللهعليهوسلم والرجم غيرهما (وَاخْشَوْنِ) في كتمانه (وَلا تَشْتَرُوا) تستبدلوا (بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) من الدنيا تأخذونه على كتمانها (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٤٤) به (وَكَتَبْنا) فرضنا (عَلَيْهِمْ فِيها) أي التوراة (أَنَّ النَّفْسَ) تقتل (بِالنَّفْسِ) إذا قتلتها (وَالْعَيْنَ) تفقأ (بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ) يجدع (بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ)
____________________________________
يشمل المرسلين ، فحكم المرسلين ظاهر ، وحكم الأنبياء بالقضاء بها لا على أنها شرع لهم. قوله : (الَّذِينَ أَسْلَمُوا) أي كمل إسلامهم ، وهو وصف كاشف ، لأن كل نبي منقاد لله ، وحكمة الوصف بذلك التعريض باليهود ، حيث افتخروا بأصولهم ولم يسلموا ، بل حرفوا التوراة وبدلوها.
قوله : (لِلَّذِينَ هادُوا) اللام للاختصاص ، أي أحكام التوراة مختصة بالذين هادوا ، أعم من أن تكون أحكاما لهم أو عليهم. قوله : (وَالرَّبَّانِيُّونَ) معطوف على (النَّبِيُّونَ). قوله : (العلماء منهم) وقيل الزهاد ، وقيل الذين يربون الناس بصغار العلم قبل كباره ، وهذا لا ينافي كلام المفسر ، بل يقال سموا ربانيين لكونهم منسوبين للرب لزهدهم ما سواه ، أو للتربية لكونهم يربون الخلق.
قوله : (وَالْأَحْبارُ) جمع حبر بالفتح والكسر ، وأما المداد فبالكسر لا غير من التحبير وهو التحسين ، يقال حبره إذا حسنه ، سموا بذلك لأنهم يزينون الكلام ويحسنونه ، وهو عطف على النبيون أيضا ، وقد وسط بين المعطوفات الذين هم الحكام بالمحكوم لهم ، وذكر الأحبار بعد الربانيين من ذكر العام بعد الخاص ، لأن الحبر العالم كان ربانيا أو لا. قوله : (أي بسبب الذي) أشار بذلك إلى أن الباء سببية ، وما اسم موصول بمعنى الذي ، والعائد محذوف أي بسبب الذي استحفظوه ، وفاعل الحفظ هو الله أي بسبب الشرع الذي أمرهم الله بحفظه ، وقوله : (مِنْ كِتابِ اللهِ) بيان لما فالأنبياء والعلماء أمناء الله على خلقه ، يحكمون بين الناس بأحكام الله التي علمها الله لهم ، ومن لم يحكم بذلك فقد خان الله في أمانته وكذب على ربه ، فحينئذ يستحق الوعيد.
قوله : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ) تفريع على قوله : (وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) والخطاب لعلماء اليهود الذين في زمنه صلىاللهعليهوسلم. قوله : (وغيرهما) أي كقوله تعالى : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) فغيروها وقالوا ما لم يكن القاتل شريفا وإلا فلا يقتل بالوضيع. قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) نزلت في قريظة وبني النضير ، فكان الواحد من بني النضير إذا قتل واحدا من قريظة أدى إليهم نصف الدية ، وإذا قتل الواحد من قريظة واحدا من بني النضير أدى إليهم الدية كاملة ، فغيروا حكم الله الذي أنزله في التوراة ، وكل آية وردت في الكفار تجرّ بذيلها على عصاة المؤمنين.
قوله : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها) هذا شرع من قبلنا وهو شرع لنا ولم يرد ما ينسخه ، ففي هذه الآية دليل لمذهب مالك حيث قال : شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ. قوله : (أَنَّ النَّفْسَ) أن حرف توكيد ونصب ، والنفس اسمها ، وقوله : (بِالنَّفْسِ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر أن ، قدره المفسر بقوله : (تقتل) وهو حل معنى لا حل إعراب ، لأن الخبر يقدر كونا عاما لا خاصا ، فالمناسب تقديره