الجمع (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ) يأمركم (أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا) فيه إدغام ميم نعم في ما النكرة الموصوفة أي نعم شيئا (يَعِظُكُمْ بِهِ) تأدية الأمانة والحكم بالعدل (إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً) لما يقال (بَصِيراً) (٥٨) بما يفعل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي) أصحاب (الْأَمْرِ) أي الولاة (مِنْكُمْ) أي إذا أمروكم بطاعة الله ورسوله (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ) اختلفتم (فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ) أي إلى كتابه (وَالرَّسُولِ) مدة حياته وبعده إلى سنته أي اكشفوا عليه منهما (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ) أي الرد إليهما (خَيْرٌ) لكم من التنازع والقول بالرأي (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (٥٩) مآلا ونزل لما اختصم يهودي ومنافق فدعا إلى كعب ابن الأشرف ليحكم بينهما ودعا اليهودي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فأتياه فقضى لليهودي فلم يرض المنافق وأتيا
____________________________________
سببه أن رسول الله رأى امرأة حربية مقتولة ، فذلك يدل على اختصاصه بالحربيات ، فلا يدخل فيه المرتدة ولا الزانية. قوله : (وَإِذا حَكَمْتُمْ) فيه فصل بين المعطوف والمعطوف عليه وهو جائز إذا كان ظرفا. قوله : (نِعِمَّا) بكسر النون اتباعا لكسرة العين ، وأصله نعم على وزن علم. قوله : (أي نعم شيئا) أشار بذلك إلى أن ما مميز ، ويكون الفاعل مستترا وجوبا تقديره نعم هذا الشيء شيئا ، والمخصوص بالمدح محذوف قدره بقوله : (تأدية الأمانة) وقيل أن ما فاعل ، وقد ذكر القولين ابن مالك بقوله :
وما مميّز وقيل فاعل |
|
في نحو نعم ما يقول الفاضل |
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) هذا خطاب لسائر الناس ، بعد أن خاطب ولاة الأمور بالحكم بالعدل ، وفي هذه الآية إشارة لأدلة الفقه الأربعة ، فقوله : (أَطِيعُوا اللهَ) إشارة للكتاب ، وقوله : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) إشارة للسنة ، وقوله : (وَأُولِي الْأَمْرِ) إشارة للإجماع ، وقوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ) الخ ، إشارة للقياس. قوله : (وَأُولِي الْأَمْرِ) يدخل فيه الخلفاء الراشدون ، والأئمة المجتهدون ، والقضاة والحكام. قوله : (أي إذا أمروكم بطاعة الله ورسوله) أي لا بمعصية فلا يطاعوا في ذلك ، لما في الحديث «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». قوله : (فِي شَيْءٍ) أي غير منصوص عليه. قوله : (مدة حياته) أي بسؤاله ، وقوله : (إلى سنته) أي فيعرض عليها.
قوله : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ) أي فردوه. قوله : (ذلِكَ خَيْرٌ) اسم التفضيل ليس على بابه بقرينة (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ) فمخالفة ما ذكر ليس فيها خير ، بل هي شر وضلال. قوله : (مآلا) أي عاقبة. قوله : (ونزل لما اختصم يهودي الخ) حاصلها تفصيلا ، قال ابن عباس : نزلت في رجل من المنافقين يقال له بشر ، كان بينه وبين يهودي خصومة ، فقال اليهودي : تنطلق إلى محمد ، وقال المنافق : ننطلق إلى كعب بن الأشرف وهو الذي سماه الطاغوت ، فأبى اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لليهودي ، فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال انطلق بنا إلى عمر ، فقال اليهودي اختصمت أنا وهذا إلى محمد ، فقضى عليه ، فلم يرض بقضائه ، وزعم أنه يخاصمني إليك ، فقال عمر للمنافق : أكذلك؟ فقال نعم ، فقال لهما عمر : رويدا حتى أخرج إليكما ، فدخل عمر البيت وأخذ السيف واشتمل عليه ثم خرج ، فضرب به المنافق حتى برد أي مات ، وقال هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء