وحدوه (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (١٠٢) حفيظ (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) أي لا تراه وهذا مخصوص لرؤية المؤمنين له في الآخرة لقوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وحديث الشيخين إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر وقيل المراد لا تحيط به (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) أي يراها ولا تراه ولا يجوز في غيره أو يدرك البصر وهو لا يدركه أو يحيط به علما (وَهُوَ اللَّطِيفُ) بأوليائه
____________________________________
الولد له سبحانه وتعالى. قوله : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي متصرف في خلقه ومتولي أمورهم ، فالواجب قصر العبادة عليه ، وتفويض الأمور إليه.
قوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) جمع بصر وهو حاسة النظر ، أي القوة الباصرة ، ويطلق على العين نفسها من إطلاق الحال وإرادة المحل. قوله : (وهذا مخصوص) أي نفي الرؤية عام مخصوص برؤية المؤمنين ربهم في الآخرة ، لأن الفعل إذا دخل عليه النفي يكون من قبيل العام. قوله : (لرؤية المؤمنين) علة لقوله مخصوص ، وقوله : (لقوله تعالى) علة للعلة. قوله : (ناصرة) أي قامت بها النضارة ، وهي البهجة والحسن ، وقوله : (ناظرة) أي باصرة للذات المقدس. قوله : (ليلة البدر) أي ليلة أربعة عشر. قوله : (وقيل المراد الخ) أي وعلى هذا فالنفي باق على عمومه فلا يحيط به بصر أحد أبدا ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فلا ينافي أن المؤمنين يرونه في الآخرة ، لكن بلا كيف ولا انحصار لوجود أدلة عقلية ونقلية ، أما النقلية فالكتاب والسنة والإجماع ، والعقلية منها أن الله علق رؤيته على استقرار الجبل وهو جائز ، والمعلق على الجائز جائز ، ومنها لو كانت الرؤية ممتنعة لما سألها موسى عليهالسلام ، إذ لا يجوز على النبي سؤال المحال إذ هو جهل ، ويستحيل على النبي الجهل ، ومنها أن يقال الله موجود ، فكل موجود يصح أن يرى ، فالله يصح أن يرى ، خلافا للمعتزلة والمرجئة والخوارج حيث أحالوا الرؤية ، مستدلين بظاهر هذه الآية وبقولهم إن الرؤية تستلزم المقابلة واتصال أشعة بصر الرائي بالمرئي ، فيلزم أن يكون المرئي جسما ، وتعالى الله عن الجسمية ، ورد كلامهم بما علمت ، وبأن هذا التلازم عادي لا عقلي ، ويجوز تخلف العادة. قوله : (لا تحيط به) أي لا تبلغ كنه حقيقة ذاته وصفاته أبصار ولا بصائر.
قوله : (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) فيه تفسيران أيضا ، الأول يراها ، والثاني يحيط بها على أسلوب ما تقدم. قوله : (ولا يجوز في غيره الخ) أي لأن رؤية كل منهما لصاحبه غير مستحيلة ، وما جاز على أحد المثلين يجوز على الآخر. قوله : (أو يحيط به علما) هذا هو التفسير الثاني. قوله : (وَهُوَ اللَّطِيفُ) من لطف بمعنى احتجب ، فلا يحيط به بصر ولا بصيرة ، فقوله راجع لقوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) ، وقوله : (الْخَبِيرُ) راجع لقوله : (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) فهو لف ونشر مرتب ، وهذا هو المناسب هنا ، فقول المفسر (بأوليائه) يقتضي أن معنى (اللَّطِيفُ) الرؤوف المحسن ، وهو وإن كان مناسبا في نفسه ، إلا أنه غير ملائم هنا. فتحصل مما تقدم أن الرؤية بالبصر في الآخرة للمؤمنين ، وقع فيها خلاف بين المعتزلة وأهل السنة ، وتقدم أن الحق مذهب أهل السنة ، وأما رؤية قلوب العارفين له في الدنيا بمعنى شهود القلب له في كل شيء فهو جائز ، بل هو مطلبهم وغاية مقصودهم ومناهم قال العارف :
أنلنا مع الأحباب رؤيتك التي |
|
إليها قلوب الأولياء تسارع |