وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) رقيبا فنجازيهم بأعمالهم (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (١٠٧) فتجبرهم على الإيمان وهذا قبل الأمر بالقتال (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ) هم (مِنْ دُونِ اللهِ) أي الأصنام (فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً) اعتداء وظلما (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي جهلا منهم بالله (كَذلِكَ) كما زينا لهؤلاء ما
____________________________________
مصدرية ، ونائب الفاعل هو الجار والمجرور ، والتقدير اتبع الإيحاء الجائي إليك من ربك.
قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لتأكيد التوحيد. قوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) أي لا تتعرض لهم ولا تقاتلهم ، وهذا على أنها منسوخة كما يأتي للمفسر ، وقيل إن الآية محكمة ، والمعنى لا تلتفت إلى رأيهم ، ولا تغتظ من أقوالهم وإشراكهم ، لأن ذلك بمشيئة الله ، ومثل ذلك يقال : إذا أجمع خلق على ضلالة لا يستطاع ردها ، ففي الحديث «إذا رأيتم الأمر لا تستطيعون رده فاصبروا حتى يكون الله هو الذي يغيره». قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ) مفعول ثان محذوف تقديره عدم إشراكهم. قوله : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) تأكيد لما قبله ، أي لست حفيظا مراقبا لهم فتجبرهم على الإيمان. قوله : (وهذا قبل الأمر بالقتال) أشار بذلك إلى أن الآية منسوخة ، واسم الإشارة عائد على قوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) الخ.
قوله : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) سبب نزولها أنه لما نزل قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) كثر سب المسلمين للأصنام ، فتحزب المشركون على كونهم يسبون الله نظير سب المسلمين لأصنامهم ، فنزلت الآية ، وقيل : إن أبا طالب حضرته الوفاة ، فقالت قريش انطلقوا بنا لندخل على هذا الرجل ، فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه ، فإنا نستخي أن نقتله بعد موته فتقول العرب كان عمه يمنعه ، فلما مات قتلوه. فانطلق أبو سفيان ، وأبو جهل ، والنضر بن الحرث ، وأمية وأبي ابنا خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وعمرو بن العاص ، والأسود بن أبي البحتري ، إلى أبي طالب ، فقالوا : يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا ، وإن محمدا قد آذانا وآذى آلهتنا ، فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ، وندعه وإلهه ، فدعاه فجاء النبي صلىاللهعليهوسلم فقال له أبو طالب : إن هؤلاء قومك وبنو عمك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : وما يريدون؟ قالوا : نريد أن تدعنا وآلهتنا ، وندعك وإلهك ، فقال له أبو طالب : قد أنصفك قومك فاقبل منهم ، فقال النبي : أرأيتم إن أعطيتم هذا ، فهل أنتم معطي كلمة ، إن تكلمتم بها ملكتم العرب ، ودانت لكم العجم ، وأدت لكم الخراج؟ قال أبو جهل : نعم وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها فما هي؟ فقال : قولوا لا إله إلا الله ، فأبوا ونفروا ، فقال أبو طالب قل غيرها يا ابن أخي ، فقال : يا عم ما أنا بالذي أقول غيرها ، ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها ، فقالوا لتكفن عن شتمك آلهتنا أو نسبن من يأمرك فنزلت. قوله : (الَّذِينَ يَدْعُونَ) أي يعبدون ، وقدر المفسر الضمير إشارة إلى أن مفعول يدعون محذوف. قوله : (فَيَسُبُّوا اللهَ) أي فيترتب على ذلك سب الله فسب الأصنام وإن كان جائزا ، إلا أنه عرض له النهي بسبب ما ترتب عليه من سب الله ، ففي الحقيقة النهي عن سب الله. قوله : (اعتداء) أشار بذلك إلى أن (عَدْواً) مصدر ، ويصح أن يكون حالا مؤكدة ، لأن السب لا يكون إلا عدوانا. قوله : (أي جهلا منهم بالله) أي بما يجب في حقه.