اليتيم وجعل الرديء من مالكم مكانه (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ) مضمومة (إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ) أي أكلها (كانَ حُوباً) ذنبا (كَبِيراً) (٢) عظيما. ولما نزلت تحرجوا من ولاية اليتامى وكان فيهم من تحته العشر أو الثمان من الأزواج فلا يعدل بينهن فنزل (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) تعدلوا (فِي الْيَتامى) فتحرجتم من أمرهم فخافوا أيضا أن لا تعدلوا بين النساء إذا نكحتموهن (فَانْكِحُوا) تزوجوا (ما) بمعنى من (طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) أي اثنين اثنين وثلاثا ثلاثا
____________________________________
الجيد ويدفع بدله الرديء كشاة هزيلة يدفعها ويأخذ شاة سمينة ، ودرهم زائف يتركه لليتيم ويأخذ له الجيد ، ويقول شاة بشاة ودرهم بدرهم. قوله : (الحرام) أي وإن كان جيدا ، وقوله : (الحلال) أي وإن كان رديئا. قوله : (أي تأخذوه بدله) أشار بذلك إلى أن الباء داخلة على المتروك. قوله : (مضمومة) أي بأن تجمعوا ماله على أموالكم وتصرفوا من الجميع ، وقصده بذلك أكل الجميع ، وهذا نهي ثالث ، لأن الأمر الأول تضمن نهيا أي لا تمنعوا اليتامى من أموالهم إذا رشدوا أو لا تتبدلوا الخبيث بالطيب ، ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم. إن قلت : مقتضى الآية أن أكل مال اليتيم منفردا ليس بذنب عظيم ، أجيب : بأنه نص على مستقبح الأوصاف زيادة في التشنيع على من يأكله مع الاستغناء ، وإلا فأكله منفردا كأكله مضموما لماله في ارتكاب الإثم الكبير. قوله : (حُوباً) بضم الحاء باتفاق السبعة ، وقرىء شذوذا بفتح الحاء وسكون الواو وقبلها ألفا والمعنى واحد. قوله : (ولما نزلت) أي آيات اليتيم التي ورد النهي فيها. قوله : (تحرجوا) أي شق عليهم وطلبوا الخروج من الحرج الذي هو الإثم. قوله : (من الأزواج) أي اليتامى ، فكان الواحد منهم إذا وجد يتيمة ذات مال وجمال رغب فيها لأجل مالها ، فلما نزلت آية النهي عن أكل مال اليتيم شق عليهم ذلك فنزلت (وَإِنْ خِفْتُمْ) فالنهي في الأولى عام في اليتامى مطلقا أزواجا أو لا ، والثاني خاص بالأزواج اليتامى. قوله : (أَلَّا تُقْسِطُوا) من أقسط بمعنى عدل ، وأما القاسط فمعناه الجائز ، وقرىء تقسطوا بفتح التاء وتحمل على أن لا زائدة أو لغة في أقسط بمعنى عدل ، فتكون مستعملة في الشيء وضده.
قوله : (فِي الْيَتامى) أي في نكاحهم. قوله : (فتحرجتم) أي طلبتم الخروج من الحرج الذي هو الإثم ، وقوله : (فخافوا) جواب الشرط ، قالت عائشة : هذه الآية في اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ، ويريد أن ينتقص صداقها ، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا في إكمال الصداق ، وأمروا بالنكاح من غيرهن ، قالت عائشة : فاستفتى الناس رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك ، فأنزل الله عزوجل : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) إلى قوله (وَتَرْغَبُونَ) أن تنكحوهن ، فبينّ الله لهم في هذه الآية أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ولم يلحقوها بأمثالها في إكمال الصداق ، وبينّ في تلك الآية أن اليتيمة إذا كانت مرغوبا عنها لقلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء قال أي الله فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها ، إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق ، وقال الحسن : كان الرجل من أهل المدينة تكون عنده الأيتام وفيهن من يحل له نكاحها ، فيتزوجها لأجل مالها وهي لا تعجبه ، وإنما تزوجها كراهية أن يدخل غريب فيشاركها في مالها ثم يسيء صحبتها ويتربص إلى أن تموت فيرثها ، فعاب الله عليهم ذلك وأنزل هذه الآية. قوله : (بين النساء) أي اليتامى. قوله : (بمعنى من) أي الواقعة على العاقل ، وهو جواب عن سؤال مقدر تقديره أن ما لغير العاقل