(بَعْضُكُمْ) بعض الذرية (لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) من ظلم بعضهم بعضا (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) مكان استقرار (وَمَتاعٌ) تمتع (إِلى حِينٍ) (٢٤) تنقضي فيه آجالكم (قالَ فِيها) أي الأرض (تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ) (٢٥) بالبعث بالبناء للفاعل والمفعول (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) أي خلقناه لكم (يُوارِي) يستر (سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً) هو ما يتجمل به من الثياب (وَلِباسُ التَّقْوى) العمل الصالح والسمت الحسن بالنصب عطف على لباسا والرفع مبتدأ خبره جملة (ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) دلائل قدرته (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٢٦) فيؤمنون فيه التفات
____________________________________
من ذريتكما) أي فهذا هو وجه الجمع في الآية ، وقيل إن الجمع باعتبار آدم وحواء والحية وإبليس. ويكون قوله : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) باق على ظاهره لأن إبليس والحية عدو لآدم وحواء. قوله : (مكان استقرار) أي وهو المكان الذي يعيش فيه الإنسان ، والمكان الذي يدفن فيه. قوله : (قالَ فِيها تَحْيَوْنَ) أصله تحييون كترضيون ، تحركت الياء الثانية وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ، ثم حذفت لالتقاء الساكنين. قوله : (بالبناء للفاعل الخ) أي في (تُخْرَجُونَ) وأما (تَحْيَوْنَ) و (تَمُوتُونَ) فللفاعل لا غير.
قوله : (يا بَنِي آدَمَ) لما قدم قصة آدم وحواء وما أنعم به عليهما ، وفتنة الشيطان لهما خاطب أولاد آدم عموما بتذكير نعمه عليهم وحذرهم من اتباع الشيطان لأنه عدو لأبيهم ، والعداوة للآباء متصلة للأبناء. قوله : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) أي أنزلنا أسبابه من السماء وهو المطر ، فينشأ عنه النبات الذي يكون منه اللباس كالقطن والكتان ، وتعيش به الحيوانات التي يكون منها الصوف والشعر والوبر والحرير. قوله : (سَوْآتِكُمْ) أي عوراتكم ، أي فهو نعمة. قوله : (وَرِيشاً) معطوف على (لِباساً) وعبر عنه بالريش ، لأن الريش زينة الطائر ، كما أن اللباس زينة الآدميين ، والمعنى أن الله تعالى منّ على بني آدم بلباسين : لباسا يواري سوآتهم ، ولباسا ريشا أي زينة ، ويصح أن يكون معطوفا على : (يُوارِي) فيكون وصف اللباس بشيئين : كونه يواري سوآتكم ، وكونه زينة لكم ، ويؤخذ من الآية أن لبس لباس الزينة غير مذموم ، والمراد الزينة التي لم تخالف الشرع وهذا إن صح القصد بأن لم يقصد الفخر ولا العجب بها ، كما أن التقشف في اللباس غير مذموم إن كان خاليا من الأغراض الفاسدة ، بأن لم يقصد به دعوى الولاية أو إظهار الفقر لأجل أن يتصدق عليه ، وبالجملة فالمدار على حسن القصد تجمل بالثياب أو تخشن فيها ، وفي هذا المعنى قال بعضهم :
ليس التصوف لبس الصوف والخلق |
|
بل التصوف حسن الصمت والخلق |
فالبس من اللبس ما تختار أنت وقم |
|
جنح الظلام وأجر الدمع في الغسق |
قرب لابس الديباج مشغله |
|
حب الذي خلق الإنسان من علق |
وكم فتى لابس للخيش تحسبه |
|
تاج وذلك عند العارفين شقي |
فإن ذلك لم يحجبه ملبسه |
|
وذا مع اللبس مأسور فلم يفق |
قوله : (وَلِباسُ التَّقْوى) أي الناشىء عنها أو الناشئة عنه. قوله : (العمل الصالح) أي المنجي من العذاب ، لأن الإنسان يكسى من عمله يوم القيامة. قوله : (خبره جملة) (ذلِكَ خَيْرٌ) أي فاسم الإشارة مبتدأ ثان ، وخير خبره ، والجملة من المبتدأ الثاني ، وخبره خبر الأول ، واسم الإشارة عائد على قوله :