عن الخطاب (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ) يضلكم (الشَّيْطانُ) أي لا تتبعوه فتفتنوا (كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ) بفتنته (مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ) حال (عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ) أي الشيطان (يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) جنوده (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) للطافة أجسادهم أو عدم ألوانهم (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ
____________________________________
(وَلِباسُ التَّقْوى) وإنما كان خيرا لأنه يستر من فضائح الآخرة ، وفي الحديث : «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» فإذا كان كذلك ، فينبغي للإنسان أن يشتغل بتحسين ظاهره بالأعمال الصالحة ، وباطنه بالإخلاص ، فإنه محل نظر الله منه ، ولذلك قال العارف البكري : إلهي زين ظاهري بامتثال ما أمرتني به ونهيتني عنه ، وزين سري بالأسرار وعن الأغيار فصنه. قوله : (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) اسم الإشارة عائد على اللباس المنزل بأقسامه. قوله : (فيه التفات عن الخطاب) أي وكان مقتضى الظاهر لعلكم تذكرون ، ونكتته دفع الثقل في الكلام.
قوله : (يا بَنِي آدَمَ) لما ذكرهم نعمة اللباس ، نبههم على أن الشيطان حسود وعدو لهم ، كما أنه عدو لأبيهم. قوله : (لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) هو نهي له صورة ، وفي الحقيقة نهي لبني آدم عن الاصغاء لفتنته واتباعه ، فليس المراد النهي عن تسلطه ، إذ لا قدرة لمخلوق على منع ذلك ، لأنه قضاء مبرم ، بل المراد النهي عن الميل إليه ، وإلى ذلك أشار المفسر بقوله : (أي لا تتبعوه فتفتنوا). قوله : (كَما أَخْرَجَ) الكاف بمعنى مثل صفة لمصدر محذوف ، وما مصدرية تسبك مع ما بعدها بمصدر ، والتقدير فتنة مثل فتنة إخراج أبويكم ، والجامع بينهما زوال النعم في كل. قوله : (أَبَوَيْكُمْ) أي آدم وحواء. قوله : (بفتنته) الباء سببية. قوله : (حال) أي من (أَبَوَيْكُمْ) أو من ضمير (أَخْرَجَ) وكل صحيح ، فإن الجملة مشتملة على ضمير الأبوين وعلى ضمير الشيطان ، وإسناد النزع اليه باعتبار كونه سببا فيه ، والنزع أخذ الشيء بسرعة وقوة ، ومنه قوله تعالى : (تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) ، وفيه إشارة إلى أن من اتبع الشيطان ، تزول نعمه بسرعة وقوة. وأتى بالمضارع حكاية للحال الماضية استحضارا للصورة العجيبة.
قوله : (إِنَّهُ يَراكُمْ) تعليل للتحرز من الشيطان اللازم للنهي ، كأنه قيل : فاحذروه لأنه يراكم الخ. قوله : (وَقَبِيلُهُ) معطوف على الضمير المتصل في (يَراكُمْ) واتى بالضمير المنفصل ، وإن كان قد حصل الفصل بالكاف زيادة في الفصاحة ، والقبيل اسم لما اجتمع من شتات الخلق ، ولذلك فسره بالجنود ، والقبيلة الجماعة من أب واحد. قوله : (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ مِنَ) ابتدائية ، و (حَيْثُ) ظرف مكان ، التقدير إنه يراكم رؤية مبتدأة من مكان لا ترونهم فيه. قوله : (للطافة أجسادهم) فأجسامهم كالهواء ، نعلمه ونتحققه ولا نراه للطافته وعدم تلونه ، هذا وجه عدم رؤيتنا لهم. وأما وجه رؤيتهم لنا فكثافة أجسادنا وتلوننا ، وأما رؤية بعضهم لبعض فحاصلة لقوة في أبصارهم. وهذا حيث كانوا بصورتهم الأصلية ، وأما إذا تصوروا بغيرها فتراهم ، لأن الله جعل لهم قدرة على التشكيل بالصورة الجميلة أو الخسيسة ، وتحكم عليهم الصورة كما في الأحاديث الصحيحة. فالآية ليست على عمومها والفرق بينهم وبين الملائكة ، أن الملائكة لا يتشكلون إلا في الصور الجميلة ولا تحكم عليهم بخلاف الجن وقد ورد أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وجعلت صدر بني آدم مساكن لهم ، إلا من عصمه الله ، كما قال تعالى : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) فهم يرون بني آدم ، وبنو آدم لا يرونهم. قال