التفات عن الغيبة والمراد آباؤهم (إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) (٨٣) عنه كآبائكم (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) وقلنا (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) تريقونها بقتل بعضكم بعضا (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) لا يخرج بعضكم بعضا من داره (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) قبلتم ذلك الميثاق (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (٨٤) على أنفسكم (ثُمَّ أَنْتُمْ) يا (هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) بقتل بعضكم بعضا (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ) فيه إدغام التاء في الأصل في
____________________________________
الخسف به وبداره سببه منع الزكاة. قوله : (فقبلتم ذلك) قدر ذلك لأجل العطف بثم عليه. قوله : (فيه التفات) وحكمته الإستلذاذ للسامع وعدم الملل منه ، فإن الإلتفات من المحسنات للكلام. قوله : (إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ) أي من أجدادكم وهو من أقام اليهود على وجهها قبل النسخ ، أي ومنكم أيضا وهو من آمن منهم كعبد الله بن سلام وأضرابه. قوله : (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) خطاب للفروع ويلاحظ قوله : (إِلَّا قَلِيلاً) هنا كما علمت فتغاير معنى الجملتين فلا تكرار.
قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) المقدر اذكروا فهو خطاب لبني إسرائيل وهو معطوف على الجملة الأولى المتعلقة بحقوق الله ، وهذه الجملة متعلقة بحقوق العباد ، فخانوا كلا من العهدين. وهي متضمنة لأربعة عهود : الأول لا يسفك بعضهم دماء بعض ، الثاني لا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم ، الثالث لا يتظاهر بعضهم على بعض بالإثم والعدوان ، الرابع أن وجد بعضهم بعضا أسيرا فداه ولو بجميع ما يملك. قوله : (مِيثاقَكُمْ) أي ميثاق آبائكم في التوراة ، فإن هذا خطاب لقريظة وبني النضير الكائنين في زمن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قوله : (وقلنا) (لا تَسْفِكُونَ) قدر القول إشارة إلى أن الجملة في محل نصب مقول لقول محذوف ، والجملة حالية من فاعل أخذنا ، التقدير أخذنا ميثاقكم حال كوننا قائلين ، ويحتمل أن الجملة لا محل لها من الإعراب تفسير للميثاق وتقدم ذلك في نظيره.
قوله : (لا تَسْفِكُونَ) مضارع سفك من باب ضرب وقتل أراق الدم أو الدمع. قوله : (بقتل بعضكم بعضا) أشار بذلك إلى أنه من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم ، لأنه يلزم من القتل إراقة الدم غالبا والإضافة في دمائكم لأدنى ملابسة ، فإن دم الأخ كدم النفس أو باعتبار أن من قتل يقتل ، أي فلا تتسببوا في قتل أنفسكم بقتلكم غيركم ، وهنا حذف يعلم بما يأتي أي ظلما وعدوانا. قوله : (مِنْ دِيارِكُمْ) أصله دوار وقعت الواو إثر كسرة قلبت ياء ، وأسند الإخراج لأنفسهم مع أنهم يخرجون غيرهم ، لأن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله. قوله : (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) لم يذكر هنا بقية العهود لأن عهد عدم التظاهر بالإثم والعدوان ملاحظ في العهدين الأولين ، أما الرابع فقد وفوا به فلم يعاتبهم الرب عليه. قوله : (على أنفسكم) أشار بذلك إلى أن الجملة مؤكدة لجملة ثم أقررتم لأن الشهادة على النفس هي الإقرار بعينه ، ويحتمل أن قوله ثم أقررتم خطاب لبني إسرائيل الأصول ، وقوله وأنتم تشهدون خطاب للفروع ، فتغاير معنى الجملتين ولا تأكيد.
قوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ) أنتم مبتدأ وجملة تقتلون خبره ، وهؤلاء منادى وحرف النداء محذوف والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر ، قوله : (تَظاهَرُونَ) في محل نصب على الحال من فاعل تخرجون وهو من باب الحذف من الأوائل لدلالة الأواخر ، التقدير تقتلون أنفسكم متظاهرين وتخرجون فريقا كذلك