ما قبله أعوذ بوجهك رواه البخاري. وروى مسلم حديث سألت ربي أن لا يجعل بأس أمتي بينهم فمنعنيها. وفي حديث لما نزلت قال أما انها كائنة ولم يأت تأويلها بعد (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ) نبين لهم (الْآياتِ) الدلالات على قدرتنا (لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (٦٥) يعلمون أن ما هم عليه باطل (وَكَذَّبَ بِهِ) بالقرآن (قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ) الصدق (قُلْ) لهم (لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (٦٦) فأجازيكم إنما أنا منذر وأمركم إلى الله وهذا قبل الأمر بالقتال (لِكُلِّ نَبَإٍ) خبر (مُسْتَقَرٌّ) وقت يقع فيه ويستقر ومنه عذابكم (وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٦٧) تهديد لهم (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ
____________________________________
رضا بقضاء الله ، وإلا فقد استعاذ منه أولا فلم يفد. قوله : (ولما نزل ما قبله) أي قوله : (عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ) الخ. قوله : (أعوذ بوجهك) أي فقال مرتين : مرة عند نزول قوله : (عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) ، ومرة عند نزول قوله : (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ). قوله : (فمنعنيها) أي منعني هذه المسألة ، بمعنى أنه لم يجبني في هذه الدعوة لما سبق في علمه من حصولها ، فكان أول ابتداء إذاقة البعض بأس البعض بعد موته صلىاللهعليهوسلم بخمس وعشرين سنة في وقعة علي ومعاوية ، وما زالت الفتن تتزايد إلى يوم القيامة. قوله : (لما نزلت) أي هذه الآية. قوله : (قال أما إنها) أما أداة استفتاح ، وإنها بكسر الهمزة ، والضمير عائد على الأمور الأربعة : عذابا من فوقكم ، وعذابا من تحت أرجلكم ، وتفريقكم شيعا ، ونصب القتال بينكم ، فهذه الأربعة كائنة قبل يوم القيامة ، لكن الأخيران قد وقعا من منذ عصر الصحابة ، والأولان تفضل الله بتأخير وقوعهما إلى قرب قيام الساعة ، هكذا ورد ، ولكن قال العلماء وإن كان الأخيران يقعان قرب قيام الساعة ، لكن العذاب بهما ليس عاما كما وقع في الأمم الماضية. قوله : (ولم يأت تأويلها) الضمير يعود على الآية أو الأمور الأربعة ، أي صرفها عن ظاهرها ، بل هي باقية على ظاهرها ، لكن بالوجه الذي علمته.
قوله : (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ) أي أنكره حيث قالوا : إنه سحر أو شر أو كهانة أو غير ذلك ، وما ذكره المفسر من أن الضمير عائد على القرآن هو أحد أقوال وهو أقربها ، وقيل الضمير عائد على العذاب ، وقيل على الحق ، وقيل على النبي وهو بعيد. قوله : (الصدق) أي لأنه منزل من عند الله وما كان من عند الله فهو صدق لا محالة. قوله : (وهذا قبل الأمر بالقتال) أشار بذلك إلى أنه منسوخ بآيات القتال ، ولكن المناسب للمفسر أن يقول فأقاتلكم بدل قوله فأجازيكم. والحاصل أن في الآية تفسيرين الأول أن الآية محكمة ، والمعنى لست مجازيا على أعمالكم في الآخرة ، والثانية أنها منسوخة ، والمعنى لست مقاتلا لكم إن حصلت منكم المخالفة ، إذا علمت ذلك فالمفسر لفق بين التفسيرين.
قوله : (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) نزلت ردا لاستعجالهم العذاب الذي كان يعدهم به ، والمعنى لكل خبر من الأخبار رحمة وعذابا ، زمن يقع فيه إما الدنيا أو الآخرة أو فيهما لا يعلمه إلا الله : قوله : (وقت يقع فيه) أشار بذلك إلى أن مستقر اسم زمان ، ويصح أن يكون مصدرا أو اسم مكان. قوله : (وَإِذا رَأَيْتَ) رأى بصرية والذين مفعولها ، ويبعد كونها علمية ، لأنه يقتضي أن المفعول الثاني محذوف ، وحذفه إما شاذ أو ممنوع. قوله : (يَخُوضُونَ) الخوض في الأصل الدخول في الماء فيستعار للشروع والدخول في الكلام ، فشبه آيات الله بالبحر ، وطوى ذكر المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه وهو الخوض ، فإثباته تخييل ، والجامع بينهما التعرض للهلاك في كل ، فإن الخائض للبحر الغريق متعرض للهلاك ، فكذلك المتعرض