فيحتمل أن المراد مجموع لبثه في الأرض قبل الرفع وبعده (ذلِكَ) المذكور من أمر عيسى (نَتْلُوهُ) نقصه (عَلَيْكَ) يا محمد (مِنَ الْآياتِ) حال من الهاء في نتلوه وعامله في ذلك من معنى الإشارة (وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) (٥٨) المحكم أي القرآن (إِنَّ مَثَلَ عِيسى) شأنه الغريب (عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) كشأنه في خلقه من غير أب وهو من تشبيه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأوقع في النفس (خَلَقَهُ) أي آدم أي قالبه (مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ) بشرا (فَيَكُونُ) (٥٩) أي فكان وكذلك عيسى قال له كن من غير أب فكان (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) خبر لمبتدأ محذوف أي أمر عيسى (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (٦٠) الشاكين فيه (فَمَنْ حَاجَّكَ) جادلك من النصارى (فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ
____________________________________
الأولى ، وقيل مبدأ الأربعين من نزوله ، وعلى كونها من نزوله فعلى كونه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين يكون عمره ثلاثا وسبعين سنة ، وعلى أنه رفع وهو ابن مائة وعشرين فيكون عمره مائة وستين. قوله : (ويصلى عليه) أي يصلي عليه المسلمون ويدفن في السهوة الشريفة ، فإذا جاء يوم القيامة قام أبو بكر وعمر بين رسولين سيدنا محمد وعيسى عليهماالسلام.
قوله : (ذلِكَ) اسم الإشارة عائد على ما تقدم من عجائب عيسى ، وأفرد باعتبار ما ذكر كما أشار لذلك المفسر. قوله : (وعامله في ذلك الخ) لأنه مضمن معنى أشير واعتراض ذلك بأن العامل في صاحبها ، هو الهاء في نتلوه ، فالعامل فيه هو نتلوه ، قال بعضهم معتذرا عن المفسر بأنه خلط إعرابا بآخر. وحاصل ذلك أن قوله ذلك مبتدأ وقوله نتلوه خبره ، وقوله من الآيات حال من الهاء وعامله هو نتلو أو من الآيات خبره ونتلوه حال ، وعاملها ما في ذلك من معنى الإشارة ، وهذا هو الذي يشير له المفسر على قول بعضهم. قوله : (وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) عطف على الآيات للتفسير.
قوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى) سبب نزولها أن وفد نجران قدموا على النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا له : نراك تسب صاحبنا ، فقال من هو؟ قالوا عيسى تزعم أنه عبد الله ، فقال رسول الله أجل إنه عبد الله ورسوله ، فقالوا : هل له مثل من الخلق خلق من غير أب؟ فنزلت الآية. قوله : (الغريب) أي وهو عيسى ، قوله : (بالإغرب) أي وهو آدم ، وأغربيته من وجوه منها أنه لم يسبق له أمثال أصلا ، ومنها وجود الأم لعيسى دون آدم ، إن قلت : وجه الشبه بينهما ليس بتمام. أجيب : بأنه يكفي وجه واحد وهو عدم الأبوة لكل.
قوله : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) جملة مفسرة لما قبلها لا محل لها من الأعراب. قوله : (أي قالبه) بفتح اللام وهو الجسم ، وأما الروح فمن نور نبينا صلىاللهعليهوسلم ، وإنما حمل الخلق على القالب لا على صورة الجسم الشاملة للروح نظرا لقوله ثم قال كن الخ ، وإلا لكان ضائعا. قوله : (وكذلك عيسى الخ) أشار بذلك إلى وجه الشبه بينهما ، واتفق أن عالما أسر في بلاد الروم فوجدهم يعبدون عيسى ، فقال لهم لم تعبدون عيسى؟ فقالوا لأنه لا أب له ، فقال لهم : آدم أولى لأنه معدوم الأبوين ، فقالوا له : آدم وإن كان بلا أب إلا أنه لا يحيى الموتى ، فقال لهم : إذا كان كذلك فحزقيل أولى لأنه أحيا ثمانية آلاف وقيل أكثر بدعوته وعيسى أحيا أربعة أنفار ، فقالوا : إن عيسى يبرىء الأكمة والأبرص ، فقال : جرجيس أحرق وطبخ ولم يضره الحرق ولا الطبخ. قوله : (أي أمر عيسى) أي الذي قصة الله في كتابه. قوله : (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) خطاب له والمراد أمته على حد (لئن أشركت ليحبطن عملك) ، لأنه معصوم من الامتراء والشرك وكل كبيرة