ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٩٤) في الدنيا من شفاعتها (إِنَّ اللهَ فالِقُ) شاق (الْحَبِ) عن النبات (وَالنَّوى) عن النخل (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) كالإنسان والطائر من النطفة والبيضة (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ) النطفة والبيضة (مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ) الفالق المخرج (اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٩٥) فكيف تصرفون عن الإيمان مع قيام البرهان (فالِقُ الْإِصْباحِ) مصدر بمعنى الصبح أي شاق عمود الصبح وهو أول ما يبدو من نور النهار عن ظلمة الليل (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) يسكن فيه الخلق
____________________________________
المستتر. قوله : (ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) ما اسم موصول فاعل (ضَلَ) ، وكنتم تزعمون صلته ، والعائد محذوف تقديره وضل عنكم الذي كنتم تزعمونه شفيعا ونافعا.
قوله : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) لما تقدم ذكر التوحيد ، وما يتعلق به أتبعه بذكر ما يدل على ذلك ، والمراد بالحب ما لا نوى له يرمى ، كالقمح والشعير والفول ، وبالنوى ضد الحب ، كالرطب والمشمش والنبق ، فانحصر ما يخرج من الأرض في هذين النوعين ، وإضافة فالق للحب يحتمل أنها محضة ، ففالق بمعنى فلق ، فهو بمعنى الصفة المشبهة وهو الأقرب ، ويحتمل أنها لفظية ، والمراد فالق في الحال والاستقبال. قوله : (شاق) فسر الفلق بالشق لأنه المشهور في اللغة ، ولأنه أقرب عبرة وأكثر فائدة ، وقال ابن عباس إن فالق بمعنى خالق. قوله : (عن النخل) مراده به كل ما له نوى.
قوله : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) يحتمل أنه خبر ثان لأن ، ويحتمل أنه كلام مستأنف كالعلة لما قبله ، والمراد بالحي كل ما ينمو كان ذا روح أو لا كالحيوان والنبات ، وبالميت ما لا ينمو كان أصله ذا روح أم لا كالنطفة والحبة ، فتسمية النبات حيا مجاز بجامع قبول الزيادة في كل. قوله : (من النطفة والبيضة) لف ونشر مرتب ، وأدخلت الكاف جميع ما يخرج من النطفة والبيضة ، فجميع الحيوانات لا تخلو عن هذين الشيئين ، فجميع الطيور من البيض وما عداها من النطفة.
قوله : (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) إنما عبر باسم الفاعل مع العطف ، إشارة إلى أنه كلام آخر معطوف فالق وليس بيانا له ، وإلا لأتى بالفعل. قوله : (مِنَ الْحَيِ) أي كالإنسان والطائر ، ويشمل عموم هذه الآية المسلم والكافر ، فيخرج الحي كالمسلم من الميت كالكافر وبالعكس. قوله : (ذلِكُمُ اللهُ) أتى بذلك وإن علم من قوله إن الله فالق لأجل الرد على من كفر بقوله (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ). قوله : (فكيف تصرفون عن الإيمان) أي لا وجه لصرفكم عن الإيمان بالله مع اعترافكم بأنه الخالق لجميع الأشياء ، فهو استفهام انكاري بمعنى النفي. قوله : (مصدر) أي لأصبح بمعنى الدخول في الصباح وليس مرادا ، بل المراد الصبح نفسه ، فلذا فسره حيث أطلق المصدر وهو الإصباح ، وأراد أثره وهو الصبح ، والإصباح بكسر الهمزة وقرىء شذوذا بفتحها ، وعليه يكون جمع صبح نحو قفل وأقفال ، ويرد وأبراد ، وظاهر الآية مشكل ، لأن الانفاق يكون للظلمة لا للصبح. وأجيب : بأن الكلام على حذف مضاف ، والأصل فالق ظلمة الإصباح بمعنى الصبح ، أو يراد فالق الإصباح بمعنى عمود الصبح ، وهو الفجر الكاذب عن ظلمة الليل ، ثم يعقبه الفجر الصادق ، فهو فالق الإصباح الأول عن ظلمة آخر الليل ، وعن بياض النهار أيضا ، ويفيد هذا المفسر أو يفسر فالق بخالق ، وسماه فلقا مشاكلة لما قبله ، وكل صحيح. قوله : (وهو أول ما يبدو من النهار) أي وهو الفجر الكاذب. قوله : (عن ظلمة الليل) متعلق بشاق.