لما صدوا النبي صلىاللهعليهوسلم عام الحديبية عن البيت (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) خبر بمعنى الأمر أي أخيفوهم بالجهاد فلا يدخلها أحد آمنا (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) هوان بالقتل والسبي والجزية (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١١٤) هو النار ، ونزل لما طعن اليهود في نسخ القبلة أو في صلاة النافلة على الراحلة في السفر حيثما توجهت (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) أي الأرض
____________________________________
(إخبار عن الروم) أي قبل بعثة الرسول حين توجهت جيوش بختنصر مع نصارى الروم لتخريب بيت المقدس ، وكان بختنصر مجوسيا من أهل بابل وذلك حين قتل بنو إسرائيل يحيى بن زكريا ، ولم يزل كذلك حتى بناه المسلمون في خلافه عمر بن الخطاب. قوله : (عام الحديبية) أي وهو عام ست من الهجرة حين خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ألف وأربعمائة بقصد العمرة ، قصده المشركون وهو بالحديبية فتحلل ورجع.
قوله : (أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) المعنى ليس لهم دخولها يعني البيت أو بيت المقدس في حال من الأحوال إلا في حال كونهم خائفين. قوله : (خبر بمعنى الأمر) أي فالجملة خبرية لفظا إنشائية معنى وقوله أي أخيفوهم بالجهاد أي فالمراد من الآية أن الله كلفنا بقتالهم ومنعهم عن المسجد الحرام وبيت المقدس ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليا بعد الفتح ينادي في الناس أن لا يطوف بالبيت عريان ، وأن لا يحج بعد هذا العام مشرك ، وفي خلافة عمر فتح الشام ومدينة بيت المقدس ومنع المشركين من دخول بيت المقدس ، ويحتمل أنه خبر لفظا ومعنى فهو إخبار من الله بما وقع من النبي صلىاللهعليهوسلم ومن عمر وهو الأقرب كما قال المفسرون ، ويصح أن يكون المعنى ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها إلا بخشية وخضوع فضلا عن أن يجترئوا على تخريبها وقيل غير ذلك. قوله : (فلا يدخلها أحد آمنا) من ذلك اختلفت المذاهب في دخول الكافر المسجد فمنعه المالكية إلا لحاجة ، وفصل الشافعية فقالوا إن أذن له مسلم في غير المساجد الثلاثة جاز وإلا فلا ، وجوزه الحنفية مطلقا.
قوله : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) هذا عام لكل من منع مساجد الله من ذكر اسم الله فيها كان مسلما أو كافرا ، فخزي المسلم في الدنيا بالمصائب والفقر والعمى والموت على غير حالة مرضية وذكر المفسر خزي الكافر. قوله : (هو النار) أي على سبيل الخلود إن مات كافرا ، أو على سبيل التطهير إن مات مسلما ، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وكل آية وردت في الكفار فإنها تجر ذيلها على عصاة المؤمنين. قوله : (لما طعن اليهود في نسخ القبلة) أي التي هي بين المقدس. فإن النبي صلىاللهعليهوسلم حين قدم المدينة أمر بالصلاة لجهة بيت المقدس تأليفا لليهود ، فأشاعوا أن محمدا تابع لهم في دينهم وشريعتهم ، ثم بعد مدة أمره الله بالإنتقال إلى الكعبة فقالوا إن محمدا يفعل على مقتضى هواه وليس مأمورا بشرع ، فنزلت الآية. قوله : (أو في صلاة النافلة) أي نزلت في شأن اعتراض اليهود على النبي حين شرعت صلاة النافلة على الدابة في السفر حيثما توجهت.
قوله : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) أي مكان الشروق والغروب وهذا ظاهر ، وأما آية : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) فباعتبار مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما ، وأما آية : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) فباعتبار مشرق كل يوم ومغربه ، لأن للشمس طرقا في الشروق والغروب على قدر أيام السنة. قوله : (أي الأرض كلها) جواب عن سؤال مقدر كأنه قيل ما وجه الإقتصار على المشرق والمغرب ، ويحتمل