وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) ملائكة تحصي أعمالكم (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ) وفي قراءة توفاه (رُسُلُنا) الملائكة الموكلون بقبض الأرواح (وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) (٦١) يقصرون فيما يؤمرون به
____________________________________
أمره الحاكم فلا معقب لحكمه ، يعطي ويمنع ، ويصل ويقطع ، ويضر وينفع ، فلا راد لما قضى ، ولا ملجأ منه إلا إليه ، فهو المتصرف في خلقه بجميع أنواع التصرفات ، من إيجاد وإعدام ، وإعزاز وإذلال ، وغير ذلك. قوله : (فَوْقَ عِبادِهِ) أي فوقية مكانة أي شرف رفعة وعلو قدر تليق به ، لا فوقية مكان لاستحالة اتصافه به.
قوله : (وَيُرْسِلُ) معطوف على صلة أل كأنه قال وهو الذي يقهر ويرسل ، وهذا من جملة قهره سبحانه وتعالى. قوله : (ملائكة تحصي أعمالكم) أي من خير وشر ، لما ورد أن كل إنسان له ملكان ، ملك عن يمينه ، وملك عن شماله ، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين حالا ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال أصبر لعله يتوب منها ، فإن لم يتب منها كتبها صاحب الشمال ، قال العلماء يؤخر ست ساعات فلكية فإن تاب فيها لم تكتب هكذا ، قال المفسر : وقيل المراد بالحفظة الملائكة الموكلون بحفظ ذوات العبيد من الحوادث والآفات ، وهم عشرة بالليل وعشرة بالنهار ، وقيل المراد ما هو أعم وهو الأتم. إن قلت : إن الله هو الحافظ فلم وكلت الملائكة بحفظ الشخص أجيب : بأن ذلك تكرمة لبني آدم وإظهارا لفضلهم ، والحكمة في كون الملائكة تكتب على الشخص ما صدر منه أنه إذا علم ذلك ، ربما كان داعيا للخوف والانزجار عن فعل القبائح والمعاصي.
قوله : (حَتَّى إِذا جاءَ) حتى ابتدائية ، والمعنى ينتهي حفظ الملائكة للأشخاص عند فراغ الأجل ، فالملائكة مأمورون بحفظ ابن آدم حيا ، فإذا فرغ أجله فقد انتهى حفظهم له. قوله : (الْمَوْتُ) أي أسبابه. قوله : (وفي قراءة توفاه) أي بالامالة المحضة ، وهي ما كانت للكسر أقرب ، وهو إما ماض وحذفت التاء لأنه مجازي التأنيث ، أو مضارع ويكون فيه حذف إحدى التاءين. قوله : (رُسُلُنا) أي أعوان ملك الموت الموكلون بقبض الأرواح. إن قلت : قال تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) وقال في الآية الأخرى (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) فكيف الجمع بين هاتين الآيتين وهذه ، أجيب : بأن الله هو المتوفى حقيقة ، فإذا حضر أجل العيد ، اشتغلت أعوان ملك الموت بانتزاعها من الجسد ، فإذا بلغت الحلقوم قبضها ملك الموت بيده ، فهو القابض لجميع الأرواح ، إن قلت : ورد في بعض الأحاديث وتول قبض أرواحنا عند الأجل بيدك أجيب : بأن معناه شهود الرب واستيلاء محبته على قلبه حتى يغيب عن إحساسه ، فلا يشاهد ملك الموت حين قبض الروح ، وإن كان هو القابض لها ، وذلك في أهل محبة الله ، ومن يموت شهيد حرب أو غريقا أو حريقا ونحوهم.
قوله : (وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) هذه الجملة حالية من رسلنا ، أي والحال أنهم لا يقصرون في ذلك. فقد ورد : ما من أهل بيت شعر ولا مدر ، إلا وملك الموت يطوف بهم مرتين. وورد : أن الدنيا كلها بين ركبتي ملك الموت ، وجميع الخلائق بين عينيه ، ويداه يبلغان المشرق والمغرب ، وكل من نفد أجله يعرفه بسقوط صحيفته من تحت العرش عليها اسمه ، فعند ذلك يبعث أعوانه من الملائكة ويتصرفون بحسب ذلك. وورد : أن ملك الموت يقبض الروح من الجسد ويسلمها إلى ملائكة الرحمة إن كان مؤمنا ، أو إلى ملائكة العذاب إن كان كافرا ويقال معه سبعة من ملائكة الرحمة ، وسبعة من ملائكة العذاب ، فإذا قبض