(كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) الحفيظ لأعمالهم (وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من قولي لهم وقولهم بعدي وغير ذلك (شَهِيدٌ) (١١٧) مطلع عالم به (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ) أي من أقام على الكفر منهم (فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) وأنت مالكهم تتصرف فيهم كيف شئت لا اعتراض عليك (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) أي لمن آمن منهم (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الغالب على أمره (الْحَكِيمُ) (١١٨) في صنعه (قالَ اللهُ هذا) أي يوم القيامة (يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) في الدنيا كعيسى (صِدْقُهُمْ) لأنه يوم الجزاء (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) بطاعته (وَرَضُوا عَنْهُ) بثوابه (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١١٩) ولا ينفع الكاذبين في الدنيا صدقهم فيه كالكفار لما يؤمنون عند رؤية العذاب (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خزائن المطر والنبات والرزق وغيرها (وَما فِيهِنَ) أتى بما تغليبا لغير
____________________________________
نوع منه ، قال تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) وليس المراد الموت ، بل المراد الرفع كما قال المفسر. قوله : (قبضتني بالرفع إلى السماء) حاصل ما في المقام ، أن هذه العقيدة ، وقعت منهم بعد رفعه إلى السماء وتستمر إلى نزوله ، ولم تقع منهم قبل رفعه ، وأما بعد نزوله فلم يبق نصراني أبدا ، بل إما الإسلام أو السيف ، فتعين أن يكون معنى توفيتني رفعتني إلى السماء ، ولو على القول بأن هذا السؤال واقع يوم القيامة ، بل ذلك مما يؤيده تأمل. قوله : (أي لمن آمن منهم) دفع بذلك ما يقال إن المغفرة لا تكون للمشركين ، فأجاب بأن المعنى وإن تغفر لمن آمن منهم ، ولذا قال عيسى فيما تقدم : بأنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار. قوله : (يَوْمُ يَنْفَعُ) قرأ الجمهور برفعه من غير تنوين ، وقرأ نافع بنصبه من غير تنوين ، ونقل عن الأعمش النصب مع التنوين ، وعن الحسن الرفع مع التنوين ، فتوجيه القراءة الأولى : أن هذا مبتدأ ، ويوم خبره ، وجملة ينفع الصادقين صدقهم في محل جر بإضافة يوم إليها ، وكذا القراءة الثانية ، غير أن الظرف مبني لإضافته إلى الجملة الفعلية ، وهو مذهب الكوفيين ، ومذهب البصريين أنه منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف خبره تقديره يقع يوم ينفع ، وأما قراءة التنوين فالرفع على الخبرية والنصب على الظرفية كما قال البصريون ، والجملة في محل رفع على الأول أو نصب على الثاني صفة لما قبلها. قوله : (الصَّادِقِينَ) (في الدنيا) أي فالصدق في الدنيا نافع في الآخرة ، وأما الصدق في الآخرة فلا يفيد شيئا ، لتقدم الكذب في الدنيا كما سيأتي. قوله (بطاعته) أي بإقامته لهم في الطاعة ، أو بسبب تلبسهم بامتثال مأموراته واجتناب منهياته ، فالطاعة سبب لرضا الله ودليل عليه. قوله : (وَرَضُوا عَنْهُ) أي بأن شكروا على نعمائه وصبروا على بلوائه ، فرضا الله على عبد ، توفيقه لخدمته في الدنيا وإدخاله جنته في الآخرة ، ورضا العبد عن ربه في الدنيا صبره على أحكام ربه ، وفي الآخرة قناعته بما أعطاه له من النعيم الدائم. قوله : (بثوابه) أي برؤية ثوابه لهم في الجنة ، حيث أعطاهم ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. قوله : (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) اسم الإشارة يعود على الجنات وما بعدها. قوله : (لما يؤمنون الخ) أي كما في قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ).
قوله : (مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تنبيه على فساد زعم الكفار أن لله شريكا ، فالمعنى أن الله مالك للسماوات والأرض وما فيهن فأين الشريك له ، ولا يليق أن يكون شيء من ملكه شريكا له. قوله :