كلها لأنهما ناحيتاها (فَأَيْنَما تُوَلُّوا) وجوهكم في الصلاة بأمره (فَثَمَ) هناك (وَجْهُ اللهِ) قبلته التي رضيها (إِنَّ اللهَ واسِعٌ) يسع فضله كل شيء (عَلِيمٌ) (١١٥) بتدبير خلقه (وَقالُوا) بواو ودونها أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) قال تعالى (سُبْحانَهُ) تنزيها له عنه (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكا وخلقا وعبيدا والملكية تنافي الولادة وعبر بما تغليبا لما لا يعقل (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (١١٦) مطيعون كل بما يراد منه وفيه تغليب العاقل (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) موجدهما لا على مثال سبق (وَإِذا قَضى) أراد (أَمْراً) أي إيجاده (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١١٧) أي فهو يكون وفي قراءة بالنصب جوابا للأمر (وَقالَ الَّذِينَ لا
____________________________________
أن فيه حذف الواو مع ما عطفت أي وما بينهما. قوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا) أينما اسم شرط جازم ظرف مكان وتولوا فعل الشرط ، وقوله : (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) جواب الشرط وثم إشارة للمكان خبر مقدم ، ووجه الله مبتدأ مؤخر. قوله : (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) أي جهته يعني جهة رضاه وليس المراد بوجهه ذاته بل المراد (أين ما تولوا وجوهكم) في جهة أمركم الله بها تجدون جهة رضاه والصوفية يريدون بالوجه الذات وهم دليل على تنزه الله عن التخصيص بالجهة ، ومن هنا قال ابن العربي : مقتضى التوحيد أن الصلاة لأي جهة تصح وإنما أمرنا بجهة مخصوصة تعبدا ولم نعقل له معنى. قوله : (يسع فضله كل شيء) أي فصحة الصلاة ليست متوقفة على جهة بيت المقدس فقط كما زعمت اليهود ، بل خصنا الله بمزايا على حسب مزيد فضله لم تكن فيهم ، فمنها أمر القبلة ومنها جعل الأرض كلها مسجدا وتربتها طهورا وغير ذلك.
قوله : (وَقالُوا) هذا من جملة قبائح اليهود ومشركي العرب حيث قالت اليهود عزيز ابن الله ، وقالت النصارى المسيح ابن الله ، وقال مشركو العرب الملائكة بنات الله. قوله : (بواو ودونها) أي فهما قراءتان سبعيتان فعلى الواو هو معطوف على منع مساجد الله التقدير (ومن أظلم ممن قال اتخذ الله ولدا) وعلى عدمها هو مستأنف لبيان حال الكفرة ، وأما آية يونس فبترك الواو لا غير لعدم ما يناسب العطف. قوله : (سُبْحانَهُ) أي تنزه عنه لأن الولدية تقتضي النوعية والجنسية والإفتقار والتشبيه والحدوث ، وهو سبحانه منزه عن كل ذلك كله. قوله : (لما لا يعقل) أي غير العاقل لكثرته وإنما غلبه لأن في سياق القهر ، وهو مناسب لغير العاقل بخلاف قانتون فإنه في سياق الطاعة. قوله : (مطيعون) أي نافذ فيهم مراده فالمراد بالطاعة هنا الإنقياد ونفوذ المراد. قوله : (وفيه تغليب العاقل) أي حيث جمعه بالواو والنون وإنما غلب العاقل هنا لشرفه ، ولأن شأن الطاعة أن تكون للعاقل ، وفيه مراعاة معنى كل ولو راعى لفظها لأفرد.
قوله : (بَدِيعُ) خبر لمبتدأ محذوف أي هو وقرىء بالجر بدل من الضمير في له وبالنصب على المدح أي أمدح بديع. قوله : (لا على مثال سبق) أي فهما في غاية الإتقان ، قال تعالى : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها) الآيات. قوله : (وَإِذا قَضى) يطلق القضاء على الوفاء يقال قضى دينه بمعنى وفاه ، ويطلق على الإرادة وهو المراد هنا. قوله : (أراد) أي تعلقت إرادته به وفسر القضاء بالإرادة للآية الأخرى وهي قوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، وخير ما فسرته بالوارد. قوله : (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ليس المراد أنه إذا تعلقت إرادته بإيجاد أمر أتى بالكاف والنون ، بل ذلك كناية عن سرعة الإيجاد ، فمراده نافذ ولا يتخلف بل ما علمه أزلا تعلقت به الإرادة تعلقا تنجيزيا حادثا وأبرزه