حيث شاء (بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) بلا علاقة (لَآياتٍ) دالات على وحدانيته تعالى (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١٦٤) يتدبرون (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (أَنْداداً) أصناما (يُحِبُّونَهُمْ) بالتعظيم والخضوع (كَحُبِّ اللهِ) أي كحبهم له (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) من
____________________________________
وتأتي بالخير والشر ففي الحديث «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور» ، والحاصل أن الريح تنقسم إلى قسمين رحمة وعذاب ، ثم إن كل قسم ينقسم إلى أربعة أقسام ولكل قسم اسم ، فأسماء أقسام الرحمة المبشرات والنشر والمرسلات والرخاء ، وأسماء أقسام العذاب العاصف والقاصف وهما في البحر والعقيم والصرصر وهما في البر ، وقد جاء في القرآن بكل هذه الأسماء ، وقد نزل الأطباء كل ريح على طبيعة من الطبائع الأربع ، فطبع الصبا الحرارة واليبس وتسميها أهل مصر الشرقية لأن مهبها من الشرق وتسمى قبولا لاستقبالها وجهة الكعبة. وطبع الدبور البرد والرطوبة وتسميها أهل مصر الغربية لأن مهبها من الغرب وهي تأتي من دبر الكعبة ، وطبع الشمال البرد واليبس وتسمى البحرية لأنه يسار بها في البحر على كل حال وقلما تهب ليلا ، وطبع الجنوب الحرارة وتسمى القبلية لأن مهبها من مقابلة القطب وهي عن يمين مستقبل المشرق وتسميها أهل مصر المريسية وهي من عيوب مصر المعدودة فإنها إذا هبت عليهم سبع ليال استعدوا للأكفان.
قوله : (وَالسَّحابِ) أصله طرح شجرة في الجنة جعله الله محمولا للريح يسير حيث شاء الله ، فسيره أعجب من سير المراكب على ظهر البحر. قوله : (بلا علاقة) أي بلا شيء يتعلق به ويحفظه من السقوط. قوله : (يتدبرون) أي يتفكرون ويتأملون في عجائب قدرته فيعلمون أنه قادر على كل شيء ، فهذا الدليل من تمسك به وأتقنه كفاه في عقائد إيمانه ، وأما المقلد فهو من لم يحضر العلماء ولم يجلس بين أيديهم ولا يعرف الأرض من السماء كالبهائم.
قوله : (وَمِنَ النَّاسِ) هذه الآية وردت لاستعظام ما وقع من بعض بني آدم من الكفر بعد ثبوت البراهين القطعية ، كأن الله يقول : اعجبوا لكفر بعض العبيد مع ثبوت الأدلة على وحدانيته تعالى ، والجار والمجرور خبر مقدم ، ومن يتخذ مبتدأ مؤخر ، وهو اسم موصول وما بعد صلته أو نكرة موصوفة وما بعده صفة. قوله : (مِنْ دُونِ اللهِ) هي في الأصل ظرف مكان للمكان الأدنى ، يقال : جلس فلان في مكان دون مكان زيد يعني أدنى منه ، ثم أطلق الدون ، وأريد الغيرية من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم لكن صار حقيقة عرفية في الغير.
قوله : (أَنْداداً) مفعول يتخذ وقوله يحبونهم صفة لأندادا ، وفاعل يحبونهم عائد على من باعتبار المعنى وأفرد في يتخذ مراعاة للفظ. قوله : (أي كحبهم له) أي كحب المشركين فقد سووا في المحبة بين الله والأنداد ، ويحتمل أن المعنى كحب المؤمنين لله فمحبة المشركين للأصنام كمحبة المؤمنين لله وهو الأقرب ، واستشكل الأول بأنه لا يتأتى من عاقل التسوية في المحبة بين من يخلق ومن لا يخلق ، أجاب المفسر بأن المراد بالحب التعظيم والخضوع وليس المراد الحب الحقيقي ، فإن كل إنسان جبل على محبة خالقه. قوله : (أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) أي فقد انفرد المؤمنون بمحبة الله ، وأما محبة مثل الأنبياء والأولياء فمن المحبة لله ، إن قلت إن الكفار كذلك يحبون الأنداد ليقربوهم إلى الله زلفى فيقتضي أنها أيضا من المحبة لله. أجيب بأنهم