العجائب (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان (وَالْفُلْكِ) السفن (الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) ولا ترسب موقرة (بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) من التجارات والحمل (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ) مطر (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ) بالنبات (بَعْدَ مَوْتِها) يبسها (وَبَثَ) فرق ونشر به (فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) لأنهم ينمون بالخصب الكائن عنه (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) تقليبها جنوبا وشمالا حارة وباردة (وَالسَّحابِ) الغيم (الْمُسَخَّرِ) المذلل بأمر الله تعالى يسير إلى
____________________________________
وهكذا ، وقوله في خلق اطلق المصدر وأراد اسم المفعول أي مخلوق هو السموات والأرض ، وقد جعل الخازن السماء مع الأرض شيئا واحدا من ثمانية أشياء ، وقوله بما ينفع الناس شيء مستقل. قوله : (وما فيهما من العجائب) أي فعجائب السموات رفعها بلا عمد ، وكو الشمس في السماء الرابعة مع إضاءتها لأهل الأرض ونفعها لهم النفع التام ، وإضاءة النجوم لأهل الأرض واهتدائهم بها مع كونها ثوابت في العرش وهكذا ، وعجائب الأرض مدها وبسطها وتثبيتها بالجبال الرواسي وهكذا قال تعالى : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) وأفرد الأرض ولم يجمعها كالسموات لإتحاد جنسها وهو الماء والتراب واختلاف جنس السموات. قوله : (بالذهاب والمجيء) أشار بذلك إلى وجه اختلافهما. ومن جملة عجائب الليل كونه مقمرا أو مظلما وكونه طويلا على أناس دون غيرهم ، ومن جملة عجائب النهار طوله على أناس دون غيرهم ، فقد يكون الفجر عند قوم هو العصر عند آخرين وغير ذلك ، وقدم الليل على النهار لأنه سابقه على الأصح لأن الظلمة سابقة على النور وقيل يسبق النهار وينبني على هذا الخلاف فائدة وهي أن الليلة تابعة لليوم قبلها أو لليوم بعدها فعلى الصحيح تكون الليلة تابعة لليوم بعدها ، وعلى مقابله تكون تابعة لليوم قبلها ، فيوم عرفة مستثنى على القول الأول لأنه تابع لليلة بعده ، ولا يرد قوله تعالى : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) لأن المعنى ليس الليل يسبق النهار بحيث يأتي قبل انقضاء النهار بل كل يلزم الحد الذي حده الله له.
قوله : (وَالْفُلْكِ) يستعمل مفردا وجمعا بوزن واحد والتغاير بالوصف ، يقال فلك مشحونة وفلك مشحونات. قوله : (الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) أي يسيرها الله بالريح مقبلة ومدبرة ، قال تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ). قوله : (ولا ترسب) أي لا تسقط لأسفل. قوله : (موقرة) أي حاملة للإثقال. اشار به إلى أن قوله بما ينفع الناس متعلق بمحذوف هو الشيء الرابع قوله : (بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) أي ومن جملة منافعهم اتصال الأقطار بعضها ببعض من حيث انتفاعهم بما في القطر الآخر من الزروع وغيرها ، فلو لا تسخير السفن لاستقل كل قطر بما فيه وضاق على الناس معاشهم. قوله : (مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ) من الأولى ابتدائية والثانية يصح أن تكون بيانية أو للتبعيض.
قوله : (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ) أي أظهر ما فيها من النضارة والبهجة. قال تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). قوله : (لأنهم ينمون بالخصب) أي فإذا كثرت المراعي شبعت البهائم فيأتي منها النسل ، وإذا كثرت الأقوات شبعت الناس فتأتي منهم الذرية. قوله : (وشمالا) هي ما جاءت من جهة القطب والجنوب ما قابلتها ، والصبا ما جاءت من مطلع الشمس والدبور ما قابلتها. قوله : (حارة وباردة) أي