هو لكم فكيف تعبدونهم وأنتم أتم حالا منهم (قُلِ) يا محمد (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) إلى هلاكي (ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) (١٩٥) تمهلون فإني لا أبالي بكم (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ) متولي أموري (الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) القرآن (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (١٩٦) بحفظه (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) (١٩٧) فكيف أبالي بهم (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) أي الأصنام (إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ) أي الأصنام يا محمد (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) أي يقاتلونك كالناظر (وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (١٩٨) (خُذِ الْعَفْوَ) أي اليسر من أخلاق الناس ولا تبحث عنها (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) المعروف (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (١٩٩) فلا تقابلهم بسفههم (وَإِمَّا) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة (يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) أي إن يصرفك عما أمرت به صارف
____________________________________
المواضع الأربعة ، أي ليس لهم شيء من المنافع المذكورة.
قوله : (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) أي واستعينوا بهم في عداوتي. قوله : (كِيدُونِ) قرىء بإثبات الياء وصلا ، وحذفها وقفا ، وبإثباتها في الحالين ، وكلها سبعية ، وفي القرآن : (كِيدُونِ) في ثلاثة مواضع ، هنا وفي هود بإثبات الياء عند السبع في الحالين ، وفي المرسلات بحذفها عند السبع في الحالين. قوله : (إِنَّ وَلِيِّيَ) العامة على تشديد الولي مضافا لياء المتكلم المفتوحة ، وفي بعض الطرق بياء واحدة مشددة مفتوحة. قوله : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) من تمام التعليل لعدم مبالاته بهم.
قوله : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) أي أيها المشركون ، أي تدعوا أصنامكم إلى أن يهدوكم لا يسمعوا دعاءكم ، فضلا عن المساعدة والإمداد ، وهذا أبلغ من نفي الاتباع ، وقوله : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ) الخ ، بيان لعجزهم عن الأبصار بعد بيان عجزهم عن السمع ، وبه يتم التعليل ورأى بصرية. قوله : (خُذِ الْعَفْوَ) هذا أمر من الله لنبيه صلىاللهعليهوسلم بمكارم الأخلاق ، وحسن معاملة الكفار إثر بيان زجرهم وإفحامهم بالخطاب ، ورد لما نزلت هذه الآية ، سأل النبي صلىاللهعليهوسلم جبريل عن معناها ، فقال حتى أسأل ربي ، فذهب ثم رجع فقال : يا محمد ، ربك يأمرك أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك. قال جعفر الصادق : ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية. قوله : (أي اليسر من أخلاق الناس) أي ما سهل منها. قوله : (ولا تبحث عنها) أي لا تفتش عن الأخلاق ، بل اقبل ما ظهر ، ودع ما بطن لله.
قوله : (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) أي ما عرف جنسه في الشرع. قوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) إن كان المراد بالجاهلين الكفار ، وبالإعراض عدم مقاتلتهم ، فالآية منسوخة بآية القتال ، وإن كان المراد بالجاهلين ، ضعفاء الإسلام وأجلاف العرب ، وبالإعراض عدم تعنيفهم والاغلاظ عليهم ، فالآية محكمة ، وكلام المفسر يشهد للثاني ، ومن معنى ذلك قوله تعالى : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) وهو الذي لا عتاب بعده ، وفي هذه الآية تعليم مكارم الأخلاق للعباد ، فليس هذا الأمر من خصوصياته صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) سبب نزولها أنه صلىاللهعليهوسلم لما أمر بأخذ العفو ، والأمر بالعرف ، والإعراض عن الجاهلين ، قال : وكيف بالغضب؟ فنزلت هذه الآية. والنزغ هو النخس ، وهو في الأصل حث السائق