مِنْ عِلْمِهِ) أي لا يعلمون شيئا من معلوماته (إِلَّا بِما شاءَ) أن يعلمهم به منها باخبار الرسل (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) قيل أحاط علمه بهما وقيل الكرسي نفسه مشتمل عليهما لعظمته لحديث» ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس» (وَلا يَؤُدُهُ) يثقله (حِفْظُهُما) أي السموات والأرض (وَهُوَ الْعَلِيُ) فوق خلقه بالقهر (الْعَظِيمُ) (٢٥٥) الكبير (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) على الدخول فيه (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) أي ظهر بالآيات البينات أن الإيمان رشد والكفر غي نزلت فيمن كان له من الأنصار أولاد أراد أن يكرههم على الإسلام
____________________________________
والأقرب أن يقال المراد بما بين أيديهم ما يستقبل من الدنيا والآخرة ، وقوله وما خلفهم ما انقضى من أمر الدنيا ، فعلم أمر الدنيا والآخرة مستو عنده بخلاف المخلوقات ، قال الشاعر :
وأعلم علم اليوم والأمس قبله |
|
ولكنني عن علم ما في غد عمي |
قوله : (أي لا يعلمون شيئا من معلوماته) دفع بذلك ما يتوهم أن علم الله يتجزأ مع أنه ليس كذلك ، وما يتوهم أيضا أنه يشاء إطلاع أحد على علمه مع أنه مستحيل ، إذ ليس في طاقة الحادث اطلاع على حقيقة القديم ولا صفاته ، سبحان من لا يعلم قدره غيره ، ولا يبلغ الواصفون صفته. قوله : (منها) أي من معلوماته. قوله : (بأخبار الرسل) أي فلا يصل لأحد علم إلا بواسطة الأنبياء ، فالأنبياء وسائط لأممهم في كل شيء ، وواسطتهم رسول الله ، قال العارف : اللهم صل على من منه انشقت الأسرار ، وانفلقت الأنوار ، وفيه ارتقت الحقائق ، وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق. قوله : (وقيل أحاط علمه بهما) أي فالكرسي بضم الكاف وكسرها يطلق على العلم ، كما يطلق على السرير الذي يجلس عليه. قوله : (وقيل الكرسي نفسه) أي وهو مخلوق عظيم فوق السماء السابعة ، يحمله أربعة ملائكة ، لكل ملك أربعة أوجه أرجلهم تحت الصخرة التي تحت الأرض السابعة ، وتحت الأرض السفلى ملك على صورة آدم يسأل الرزق لبني آدم ، وملك على صورة الثور يسأل الرزق للبهائم ، وملك على صورة السبع يسأل الرزق للوحوش ، وملك على صورة النسر يسأل الرزق للطيور ، بينهم وبين حملة العرش سبعون حجابا من ظلمه ، وسبعون حجابا من نور ، سمك كل حجاب خمسمائة سنة ، وذلك لئلا تحترق حملة الكرسي من نور حملة العرش ، وخلق العرش والكرسي من حكم الله لا لاحتياج لهما. قال صاحب الجوهرة :
والعرش والكرسي ثم القلم |
|
والكاتبون اللوح كل حكم |
قوله : (في ترس) هو ما يتترس به عند الحرب ، وهو المسمى بالدرقة. قوله : (وَلا يَؤُدُهُ) أي الله وهو ظاهر ، أو الكرسي وهو أبلغ ، لأنه إذا لم تثقل السموات والأرض مع عظمها الكرسي مع أنه مخلوق فكيف بخالقه. قوله : (وَهُوَ الْعَلِيُ) أي المنزه عن صفات الحوادث فهو من صفات السلوب. قوله : (الْعَظِيمُ) أي المتصف بالعظم وقدم العلي عليه لأنه من باب تقديم التخلية على التحلية. قوله : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) قيل إن من هنا إلى خالدون من تمام آية الكرسي ، وقيل ليست منها وهو الحق ، وإنما ذكرت عقبها كالنتيجة لما ذكر فيها من خالص التوحيد ، والمعنى لا يكره أحد أحدا على الدخول في الإسلام ، فإن الحق والباطل ظاهران لكل أحد فلا ينفع الاكراه ، قال تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ). قوله : (أي ظهر بالآيات البينات) أي الدلائل الظاهرة على باهر قدرته وعظيم حكمته ، قال تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية. قوله : (فيمن كان له من الأنصار أولاد) أي وهو