التاء في الأصل في الذال أي يتعظون وخصوا بالذكر لأنهم هم المنتفعون (لَهُمْ دارُ السَّلامِ) أي السلامة وهي الجنة (عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢٧) (وَ) اذكر (يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) بالنون والياء أي الله الخلق (جَمِيعاً) ويقال لهم (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ)
____________________________________
فيها اسم الإشارة ، باعتبار ما فيه من معنى الفعل وهو أسير. قوله : (فيه إدغام التاء في الأصل) أي بعد قلبها ذالا. قوله : (وخصوا بالذكر لأنهم المنتفعون) أي المؤتمرون بأمره ، المنتهون بنهيه ، وهم الصالحون المتقون ، فبقاء القرآن دليل على بقاء جماعة على قدم النبي بدليل هذه الآية (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) ولا عبرة بمن يقول عدمت الصالحون ، وربما قال أنا لم أر أحدا منهم. فقد قال ابن عطاء الله : أولياء الله عرائس مخدرة ، ولا يرى العرائس المجرمون.
قوله : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ) الجار والمجرور خبر مقدم ، ودار السّلام مبتدأ مؤخر ، والجملة يحتمل أن تكون مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر تقديره وما جزاء من ينتفع بالذكرى ، فأجاب بقوله لهم دار السّلام ، ويحتمل أن يكون حالا من القوم أو صفة لهم ، والتقدير قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون ، حال كونهم لهم دار السّلام ، أو موصوفين بكونهم لهم دار السّلام. قوله : (أي السلامة) أي من جميع المخاوف والمكاره ، لأن بدخولها يحصل الأمن التام من جميع المكاره حتى الموت ويصح المراد بالسلام التحية الواقعة من الله والملائكة ، قال تعالى : (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) وقال : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) وقال : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً). قوله : (وهي الجنة) أشار بذلك إلى أن المراد بدار السّلام ما يعمل باقي الجنان ، وليس المراد خصوص الدار المسماة بدار السّلام.
قوله : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) العندية عندية شرف ، بمعنى أنها منسوبة لله خاصة وليس لأحد فيها منة ، أو المعنى أن من دخلها كان في حضرة ربه ، لا يشهد شيئا سواه ، ولا يحجب بنعيمها عن مولاه ، بل كلما ازداد من الجنة نعيما ، ازداد قربا من الله ، وزالت الحجب عن قلبه بخلاف الدنيا ، إذا اشتغل بشيء من زينتها بعد عن الله ، فلكما ازداد فيها شغلا ، ازداد فيها بعدا عن الله ، فلا يخلص منها إلا من جاهد نفسه وخرج عن هواه. قوله : (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ) الجملة حالية ، والمعنى ناصرهم ومتولي أمورهم ، وقوله : (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) الباء سببية وما مصدرية ، والتقدير بسبب عملهم السابق ، تولاهم وأدخلهم حضرة قربه. قوله : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) يوم ظرف معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله اذكر. قوله : (بالنون والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أي الله) تفسير للضمير على قراءة الياء والنون على القراءة الأخرى. قوله : (الخلق) أي جميع الحيوانات عقلاء وغيرهم. قوله : (جَمِيعاً) توكيد للضمير أو حال منه.
قوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِ) معمول المحذوف قدره المفسر بقوله : (ويقال لهم) وليس معمولا لنحشرهم بل هما جملتان ، وهذا الخطاب بعد جمع الخلائق في الموقف ، وتصيير غير العاقل ترابا ، وقوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِ) المعشر الجماعة والجمع معاشر ، والمراد بالجن الشياطين. قوله : (قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ) السين والتاء لتأكيد الكثرة. قوله : (باغوائكم) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف ، والتقدير قد استكثرتم من إغواء الإنس.