(إِنَّما عِلْمُها) متى تكون (عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها) يظهرها (لِوَقْتِها) اللام بمعنى في (إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ) عظمت (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) على أهلهما لهولها (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) فجأة (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌ) مبالغ في السؤال (عَنْها) حتى علمتها (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) تأكيد (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (١٨٧) أن علمها عنده تعالى (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً) أجلبه (وَلا ضَرًّا) أدفعه (إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) ما غاب عني (لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) من فقر وغيره لاحترازي عنه باجتناب المضار (إِنْ) ما (أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ) بالنار للكافرين
____________________________________
في محل نصب معمول ليسألونك. قوله : (متى تكون) أشار بذلك إلى أن الكلام فيه حذف مضاف ، والتقدير إنما علم وقتها عند الله. قوله : (على أهلهما) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف ، و (فِي) بمعنى على ، ويصح أن تبقى الآية على ظاهرها لأنه لا يطيقها شيء من السماوات لطيها ، ولا الأرض لتبدلها ، فهي شاقة مفزعة لكل ما سوى الله.
قوله : (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) أي على حين غفلة ، والحكمة في اخفائها ليتأهب لها كل أحد ، كما أخفيت ساعة الإجابة يوم الجمعة ليعتنى باليوم كله ، وليلة القدر في سائر الليالي ، ليعتنى بجميع الليالي ، والرجل الصالح في جميع الخلق ليعتقد الجميع ، والصلاة الوسطى في جميع الصلوات للمحافظة على الجميع. قوله : (كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) عن بمعنى الباء ، والمعنى كأنك عالم بها ومتيقن لها. قوله : (تأكيد) أي لما قبله لبيان أنها من الأمر المكتوم الذي استأثر الله بعلمه ، فلم يطلع عليه أحد إلا من ارتضاه من الرسل ، والذي يجب الإيمان به ، أن رسول الله لم ينتقل من الدنيا حتى أعلمه الله بجميع المغيبات التي تحصل في الدنيا والآخرة ، فهو يعلمها كما هي عين يقين ، لما ورد : «رفعت لي الدنيا فأنا أنظر فيها كما أنظر إلى كفي هذه» ، وورد أنه اطلع على الجنة وما فيها ، والنار وما فيها ، وغير ذلك مما تواترت به الأخبار ، ولكن أمر بكتمان البعض. قوله : (لِنَفْسِي) معمول لا أملك. قوله : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أي تمليكه لي فأنا أملكه.
قوله : (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) الخ إن قلت : إن هذا يشكل مع ما تقدم لنا ، أنه اطلع على جميع مغيبات الدنيا والآخرة ، والجواب : أنه قال ذلك تواضعا أو أن علمه بالمغيب كلا ، علم من حيث إنه لا قدرة له على تغيير ما قدر الله وقوعه ، فيكون المعنى حينئذ ، لو كان لي علم حقيقي بأن أقدر على ما أريد وقوعه لاستكثرت الخ ، إن قلت : إن دعاءه مستجاب لا يرد. أجيب : بأنه لا يشاء إلا ما يشاؤه الله ، فلو اطلع على أن هذا الشيء مثلا لا يكون كذا لا يوفق للدعاء له ، إذ لا يشفع ولا يدعو إلا بما فيه إذن من الله ، واطلاع منه على أنه يحصل ما دعا به ، وهو سر قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) ، وفي ذلك المعنى قال العارف :
وخصك بالهدى في كل أمر |
|
فلست تشاء إلا ما يشاء |
وللخواص من أمته حظ من هذا المقام ، ولذا قال العارف أبو الحسن الشاذلي : إذا أراد الله أمرا ، أمسك ألسنة أوليائه عن الدعاء سترا عليهم ، لئلا يدعوا فلا يستجاب لهم فيفتضحوا. قوله : (للكافرين)