(وَبَشِيرٌ) بالجنة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١٨٨) (هُوَ) أي الله (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) أي آدم (وَجَعَلَ) خلق (مِنْها زَوْجَها) حواء (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) ويألفها (فَلَمَّا تَغَشَّاها) جامعها (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) هو النطفة (فَمَرَّتْ بِهِ) ذهبت وجاءت لخفته (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) بكبر الولد في بطنها وأشفقا أن يكون بهيمة (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا) ولدا (صالِحاً) سويا (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١٨٩) لك عليه (فَلَمَّا آتاهُما) ولدا (صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) وفي قراءة بكسر الشين والتنوين أي شريكا (فِيما آتاهُما) بتسميته عبد الحرث ولا ينبغي أن يكون عبدا إلا لله وليس بإشراك في العبودية لعصمة آدم ، وروى سمرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لما ولدت حواء طاف بها إبليس
____________________________________
أشار بذلك إلى أن في الآية اكتفاء. قوله : (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) خصوا بذلك لأنهم المنتفعون بذلك. قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) الخطاب لأهل مكة المعارضين المعاندين. قوله : (مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) أي لأنه المالك المتصرف ، وهذا أعظم دليل على انفراده بالوحدانية. قوله : (أي آدم) أي وهو مخلوق من الماء والطين ، والماء والطين موجودان من عدم ، فآل الأمر إلى أن آدم وأولاده موجودان من عدم.
قوله : (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) أي من الضلع الأيسر ، فنبتت منه كما تنبت النخلة من النواة. قوله : (حواء) تقدم أنها سميت حواء لأنها خلقت من حي وهي آدم. قوله : (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) هذا هو حكمه كون حواء من آدم ، فالحكمة في كونها منه ، كونه يسكن إليها ويألفها لأنها جزء منه. قوله : (ويألفها) عطف تفسير. قوله : (فَلَمَّا تَغَشَّاها) التغشي كناية عن الجماع ، وعبر به تعليما لعباده الأدب. قوله : (هو النطفة) إن قلت : إن الجنة لا حمل فيها ولا ولادة. أجيب : بأن ذلك بعد هبوطهما إلى الأرض ، وأما جماعه لها في الجنة فبغير نطفة ولا حمل منها ولا ولادة.
قوله : (فَمَرَّتْ بِهِ) أي ترددت بذلك الحمل لعدم المشقة الحاصلة منه. قوله : (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) أي صارت ذات ثقل أو دخلت في الثقل ، كأصبح إذا دخل في الصباح. قوله : (وأشفقا) أي خافا ، ورد أنه لما جاءها إبليس وقال لها : ما هذا الذي في بطنك؟ فقالت : لا أدري ، فقال لها : يحتمل أن يكون كلبا أو حمارا أو غير ذلك ، ويحتمل أن يخرج من عينك أو فمك أو تشق بطنك لإخراجه فخوفها بهذا كله ، فعرضت الأمر على آدم ، فدعوا ربهما إلى آخر الدعاء المذكور. قوله : (لَئِنْ) اللام موطئة لقسم محذوف تقديره والله. قوله : (ولذا قدره) إشارة إلى أن صالحا صفة لموصوف محذوف مفعول ثان : لآتيتنا ، لأنه بمعنى أعطيتنا. قوله : (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) أي نزيد في الشكر لأن الشكر يزيد ويعظم بزيادة النعم.
قوله : (شُرَكاءَ) جمع شريك ، والمراد بالجمع المفرد ، بدليل القراءة الثانية. قوله : (أي شريكا) تفسير لكل من القراءتين. قوله : (بتسميته عبد الحرث) أي والحرث كان اسما لإبليس ، فقصد اللعين بذلك انتسابه له وأنه عبده. قوله : (وليس بإشراك في العبودية) المناسب أو يقول في العبادة أو في المعبودية ، وإنما هو إشراك في التسمية ، وهو ليس بكفر بل تعمده حرام ، لعدم تعظيمه شرعا ، وأما النسبة للمعظم شرعا ، كعبد النبي ، وعبد الرسول ، فقيل بالكراهة. والحاصل أن النسبة للمعظم شرعا لا حرمة فيها ، ولغيره حرام إن لم يعتقد المعبودية ، وإلا كان كفرا في الجميع. قوله : (وروى سمرة) الحكمة في ذكر