العرب ولو كان محمد نبيا لكان منا فنزل (قُلْ) لهم (أَتُحَاجُّونَنا) تخاصموننا (فِي اللهِ) أن اصطفى نبيا من العرب (وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) فله أن يصطفي من عباده من يشاء (وَلَنا أَعْمالُنا) نجازى بها (وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) تجازون بها فلا يبعد أن يكون في أعمالنا ما نستحق به الاكرام (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) (١٣٩) الدين والعمل دونكم فنحن أولى بالاصطفاء والهمزة للانكار والجمل الثلاث أحوال (أَمْ) بل (تَقُولُونَ) بالياء والتاء (إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ) لهم (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) أي الله أعلم وقد برأ منهما إبراهيم بقوله (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا) والمذكورون معه تبع له (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ) أخفى الناس (شَهادَةً عِنْدَهُ) كائنة (مِنَ اللهِ) أي لا أحد أظلم وهم اليهود كتموا شهادة الله في التوراة لابراهيم بالحنيفية (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (١٤٠) تهديد لهم (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ
____________________________________
قوله : (قُلْ) أي يا محمد والخطاب لكل عاقل يريد إقامة الحجة عليهم. قوله : (فله أن يصطفي من عباده من يشاء) أي فلا حرج عليه في أفعاله. قوله : (وَلَنا أَعْمالُنا) أي فإن كانت النبوة من جهة اصطفاء الله واختياره ، فربكم هو ربنا فيختص برحمته من يشاء ، وإن كان من جهة العمل فكما لكم أعمال تجازون عليها لنا أعمال نجازى عليها ، فنحن مشتركون معكم في العبودية والأعمال. قوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) أي لم نشرك به أحدا بخلافكم أنتم فقد زدنا عليكم وصفا وهو الإخلاص ، فكان الأولى بذلك نحن لا أنتم. قوله : (أحوال) أي إما من الواو أو نا ، لكن الأظهر في الأخيرة أنها حال من نا ، وعامل الحال على كل هو الفعل الذي هو أتحاجوننا. قوله : (بالياء والتاء) فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أَوْ نَصارى) أو للتقسيم والتوزيع فاليهود نسبوا لهم اليهودية ، والنصارى نسبوا لهم النصرانية.
قوله : (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ) الهمزة للإستفهام وما بعدها مبتدأ وخبر ، والمستفهم عنه يجوز توسطه بين الهمزة وأم كما هنا هو الأحسن ، ويجوز في غير القرآن أن تقول أأعلم أنتم أم الله أو أأنتم أم الله أعلم. قوله : (أَمِ اللهُ) أم معادلة للهمزة التي هي لطلب التعيين ، واسم التفضيل ليس على بابه بل للتهكم والإستهزاء. قوله : (أي الله أعلم) أشار بذلك إلى أنه جواب الإستفهام وإن خبر المبتدأ محذوف دل عليه المذكور. قوله : (تبع له) جواب عن سؤال مقدر تقديره إن الله قد برأ إبراهيم ولم يذكر معه أولاده. ومن جملة ما رد عليهم به قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ). قوله : (كائنة) (مِنَ اللهِ) أشار بذلك إلى أن قوله عنده صفة أولى لشهادة ، وقوله من الله متعلق بمحذوف صفة ثانية لها. قوله : (لإبراهيم بالحنيفية) أي ولمحمد بالرسالة حيث ذكر الله أوصافه وأخلاقه في كتبهم فغيروها وبدلوها. قوله : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) الغفلة هي ترك الشيء مع التمكن من العلم به وذلك مستحيل على الله تعالى ، فالمراد بها الإمهال ليوم القيامة ، وما يفسر تلك الآية قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ). وقوله : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أبلغ في التهديد من قوله : (والله عليم بما تعملون) مثلا لأن عدم الغفلة يستلزم العلم فلا يستلزم عدم الغفلة.
قوله : (تِلْكَ أُمَّةٌ) أي أنبياء بني إسرائيل. قوله : (قَدْ خَلَتْ) أي سبقت. قوله : (لَها ما