كتب (هُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) (١٥٤) يخافون وأدخل اللام على المفعول لتقدمه (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) أي من قومه (سَبْعِينَ رَجُلاً) ممن لم يعبد العجل بأمره تعالى (لِمِيقاتِنا) أي للوقت الذي وعدناه بإتيانهم فيه ليعتذروا من عبادة أصحابهم العجل فخرج بهم (فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) الزلزلة الشديدة قال ابن عباس لأنهم لم يزايلوا قومهم حين عبدوا العجل قال وهم غير
____________________________________
برأس أخيه ، وطوى ذكر المشبه به ، ورمز له بشيء من لوازمه وهو السكوت ، فإثباته تخييل ، وفي السكوت استعارة تبعية ، حيث شبه السكون بالسكوت ، واستعير اسم المشبه به للمشبه ، واشتق من السكوت سكت بمعنى سكن ، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية ، وما وقع من موسى عليهالسلام من الغضب ليس ناشئا عن سوء خلق وعدم حلم ، وإنما هو غضب لانتهاك حرمات الله ولا ينافي الحلم ، قال بعضهم :
إذا قيل حلم قل فللحلم موضع |
|
وحلم الفتى في غير موضعه جهل |
وما قيل إن موسى لما كان قليل الحلم ، أمره الله بإلانة الكلام لفرعون حيث قال له : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) ، ومحمد عليهالسلام لما كان كامل الحلم ، أمره الله بالإغلاظ على الكفار حيث قال : (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) فهو باطل لا أصل له ، وإنما الذي يقال إن كلا كامل في الحلم ، وكلا إما مأمور بالإنة أو لا ، فإذا تقرر الدين وثبت وأمروا بالجهاد ، أمروا بالاغلاظ ، هذا هو الحق ، ومن نفى عن أحد منهم الحلم فقد كفر. قوله : (وَفِي نُسْخَتِها) أي كتابتها وتسميتها نسخة ، باعتبار كتابتها من اللوح المحفوظ ، وهذا على ما قاله ، زاده من أن الألواح لم تنكسر ، وأما على ما قاله ابن عباس من أنها تكسرت ، فصام موسى أربعين يوما فردت عليه في لوحين ، فمعنى قوله : (وَفِي نُسْخَتِها) أي ما نسخ من الألواح التي كسرت في ألواح أخر ، فتسميتها نسخة ظاهر لأن نسخ الشيء نقله. قوله : (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) أي وأما لغيرهم فليس فيه هدى ورحمة ، وإنما هو وبال وخسران ، فهي نظير القرآن مع المؤمن والمنافق ، قال تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ). قوله : (وأدخل اللازم على المفعول لتقدمه) أي فضعف عن العمل فقوي باللام ، والمعنى الذين هم يخافون ربهم ، أي يخافون عقابه. قوله : (أي من قومه) أشار بذلك إلى أن قوله : (مِنْ قَوْمِهِ) مفعول ثان مقدم منصوب بنزع الخافض ، والمفعول الأول قوله : (سَبْعِينَ). قوله : (سَبْعِينَ رَجُلاً) أي من شيوخهم ، روي أنه لم يجد إلا ستين شيخا ، فأوحى الله إليه أن يختار من الشباب عشرة فاختارهم فأصبحوا شيوخا ، فأمرهم موسى عليهالسلام أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم ، ثم خرج بهم إلى الميقات هو طور سينا ، فلما دنا موسى من الجبل ، وقع عليه عامود من الغمام حتى أحاط بالجبل ودخل موسى فيه ، وقال للقوم : ادنوا ، فدنوا حتى دخلوا في الغمام ووقعوا سجدا ، وسمعوا الله وهو يكلم موسى ، يأمره وينهاه ، فلما انكشف الغمام أقبلوا على موسى وقالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) فأخذتهم الصاعقة ، وهي المرادة بالرجفة هنا وماتوا يوما وليلة ، وسبب أخذ الصاعقة لهم سؤالهم الرؤية ، وهذا قول غير ابن عباس ، وقال ابن عباس : إن السبعين الذين سألوا الرؤية ، غير السبعين الذين ذهبوا للشفاعة ، فالأولى : أخذتهم الصاعقة بسبب سؤالهم الرؤية ، والثانية : أخذتهم الرجفة بسبب معاشرتهم لمن عبدوا العجل وسكوتهم