(وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً) مهاجرا (كَثِيراً وَسَعَةً) في الرزق (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) في الطريق كما وقع لجندع بن ضمرة الليثي (فَقَدْ وَقَعَ) ثبت (أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (١٠٠) (وَإِذا ضَرَبْتُمْ) سافرتم (فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) في (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) بأن تردوها من أربع إلى اثنتين (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ) أي ينالكم بمكروه (الَّذِينَ كَفَرُوا) بيان للواقع إذا ذاك فلا مفهوم له وبينت
____________________________________
الأمور ، وقدرته على كل شيء ، وأما في كلام غيره فللرجاء ، لجهله بعواقب الأمور وعجزه. قوله : (وَمَنْ يُهاجِرْ) هذا ترغيب في الهجرة. قوله : (مهاجرا) بالفتح أي أماكن يهاجر إليها ، وعبر عنها بالمراغم إشارة إلى أن من فعل ذلك أرغم الله به أنف عدوه : أي يقهره ويذله ، والرغام في الأصل التراب ، فأطلق وأريد لازمه ، وهو الذل والهوان ، لأن من التصق أنفه بالتراب فقد ذل وصغر. قوله : (كما وقع لجندع بن ضمرة الليثي) وذلك أنه لما نزل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) الآيات ، بعث بها صلىاللهعليهوسلم إلى مكة ، فتليت على المسلمين الذين كانوا فيها إذ ذاك ، فسمعها رجل من بني ليث ، شيخ مريض كبير يقال له جندع بن ضمرة فقال : والله ما أنا ممن استثنى الله ، فإني لأجد حيلة ولي من المال ما يبلغني إلى المدينة وأبعد منها ، والله لا أبيتن بمكة ، أخرجوني ، فخرجوا به على سرير حتى أتوا به التنعيم ، فأدركه الموت فصفق بيمينه على شماله ثم قال : اللهم هذه لك وهذه لرسولك ، أبايعك على ما بايعك رسولك ، ثم مات ، فبلغ خبره أصحاب رسول الله فقالوا : لو وافى المدينة لكان أتم وأوفى أجرا ، وضحك منه المشركون وقالوا : ما أدرك ما طلب ، فنزلت الآية.
قوله : (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) أي تفضلا منه وكرما ويدخل في ذلك من قصد أي طاعة ثم عجز عن إتمامها ، فيكتب له ثوابها كاملا. وقوله : (عَلَى اللهِ) أي عنده وفي علمه. قوله : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) ذكر هذه عقب الهجرة للترغيب ، فكأنه قال لا بأس في الهجرة ولا مشقة فيها لكون الصلاة تقصر فيها فهذا من جملة السعة التي يرونها في السفر. قوله : (سافرتم) أي سفرا طويلا وسيأتي أن أقله أربعة برد عند الشافعي ، والبريد أربعة فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال ، والميل ستة آلاف ذراع ، والذراع ستة وثلاثون أصبعا ، والأصبع ست شعيرات ، والشعيرة ست شعرات من شعر البرذون ، وكذا عند مالك ، وعند أبي حنيفة ثلاثة أيام من أقصر الأيام مع الاستراحات ، فلا يصح القصر في أقل من أربعة برد عند مالك والشافعي ، ولا في أقل من ثلاثة أيام عند أبي حنيفة إلا في مناسك الحج ، فإنهم يقصرون في أقل من ذلك للسنة. قوله : (في) (أَنْ تَقْصُرُوا) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالحرف ، والجار والمجرور متعلق بجناح ، أي ليس عليكم جناح في القصر.
قوله : (مِنَ الصَّلاةِ) يصح أن تكون تبعيضية ، وأل في الصلاة للجنس أي وهو الرباعيات ، ويصح أن تكون زائدة على مذهب الأخفش وأل للجنس ، والمراد جنس مخصوص وهو الرباعية ، وقد بين بالسنة. قوله : (بأن تردوها من أربع إلى اثنتين) هذا أحد أقوال ثلاثة ، لأنه اختلف هل فرضت الصلاة كاملة ثم نقصت في السفر وبقيت في الحضر على حالها أو فرضت ناقصة فبقيت في السفر وزيدت في الحضر ، وقيل فرض كل مستقلا. قوله : (بيان للواقع) أي قوله : (إِنْ خِفْتُمْ) الخ ، أي لأن غالب