صلاتكم إلى بيت المقدس بل يثيبكم عليه لأن سبب نزولها السؤال عمن مات قبل التحويل (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ) المؤمنين (لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٤٣) في عدم إضاعة أعمالهم والرأفة شدة الرحمة وقدم الأبلغ للفاصلة (قَدْ) للتحقيق (نَرى تَقَلُّبَ) تصرف (وَجْهِكَ فِي) جهة (السَّماءِ) متطلعا إلى الوحي ومتشوقا للأمر باستقبال الكعبة وكان يود ذلك لأنه قبلة إبراهيم ولأنها أدعى إلى الإسلام العرب (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ) نحولنك (قِبْلَةً تَرْضاها) تحبها (فَوَلِّ وَجْهَكَ) استقبل في الصلاة (شَطْرَ) نحو (الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي الكعبة (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) خطاب للأمة (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) في الصلاة (شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ) أي التولي إلى الكعبة (الْحَقُ) الثابت
____________________________________
فضل من صلى مع النبي للقبلتين أعظم ممن أتى بعد ذلك ، قال صاحب الجوهرة : والسابقون فضلهم نصا عرف. قوله : (أي صلاتكم) عبر بالإيمان عن الصلاة لأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين. قوله : (لأن سبب نزولها إلخ) وسبب ذلك شبهة ألقاها حيي بن أخطب للمسلمين ، وهي أن استقبالكم لبيت المقدس لا يخلو إما أن يكون هدى فقد انتقلتم الآن إلى ضلال ، وإما أن يكون ضلالا فلم أقركم عليه ، وأيضا من مات قبل التحويل مات على الضلال وضاعت أعماله ، فشق ذلك على أقارب من مات قبل التحويل فشكوا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت الآية ، وتحويل القبلة أول نسخ ورد في الشرع. قوله : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ) هذا كالدليل لما قبله أي لم يضيع صلاتكم لكونه رؤوفا رحيما. قوله : (للفاصلة) أي التي هي قوله إلى صراط مستقيم فهي على الميم فيهما.
قوله : (قَدْ نَرى) تقدم سبب نزول هذه الآية. قوله : (للتحقيق) وقيل للتكثير وهو بالنظر لفعل النبي لا لرؤية الله وهو خطاب تودد. قوله : (متطلعا) أي متطلبا ومتشوفا وهو إشارة لحال محذوفة. قوله : (لأنها قبلة إبراهيم) أي وقبلته من قبل. قوله : (ولأنه أدعى إلى إسلام العرب) أي فإنهم قالوا حين استقبل بيت المقدس حيث عدل عن قبلة أبيه إبراهيم : لا نتبعه أبدا. قوله : (نحولنك) متقضى هذا التفسير أن قبلة منصوب بنزع الخافض ولو أبقى نولي على حالها لفسرها بنعطي لأنها تنصب مفعولين ، فالكاف مفعول أول وقبله مفعول ثان. قوله : (تحبها) أي بحسب الطبع وإلا فهو يحب أوامر الله مطلقا. لكن إذا كانت موافقة للطبع كانت أحب ، وهذا وعد من الله له بما يحبه وفي قوله فول إنجاز له. قوله : (شَطْرَ) يطلق على الجهة وهو المراد هنا ويطلق على النصف ويطلق على البعد يقال شطر فلان بمعنى بعد. قوله : (أي الكعبة) أشار بذلك إلى أن المراد بالمسجد الحرام خصوص الكعبة ، ولما نزلت هذه الآية تحول لجهة الميزاب وهكذا قبلتنا بمصر فإنها لجهته.
قوله : (وَحَيْثُ ما) شرطية لاقترانها بما وكنتم فعل الشرط ، وقوله فولوا إلخ جوابه وقرن بالفاء لأنه فعل طلبي ، وفي هذه الآية إشارة أخرى لحكمة النسخ وهي تطلعه لجهة السماء ومحبته للكعبة ، وتقدمت الحكمة الأولى كونها فتنة للناس ليتميز المؤمن من غيره. قوله : (خطاب للأمة) ودفع بذلك ما يتوهم أنه من خصائصه عليه الصلاة والسّلام. قوله : (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) أي في أي مكان وفي أي زمان. قوله : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) قيل المراد بهم اليهود لأنهم هم المعارضون له في ذلك الوقت والكتاب هو التوراة ، وقيل اليهود والنصارى والكتاب هو التوراة والإنجيل. قوله : (أي التولي إلى الكعبة) ويصح أنه