فارجعوا إلى دينكم (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ) كغيره (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) رجعتم إلى الكفر والجملة الأخيرة محل الاستفهام الانكاري أي ما كان معبودا فترجعوا (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) وإنما يضر نفسه (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (١٤٤) نعمه بالثبات (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بقضائه (كِتاباً) مصدر أي كتب الله ذلك (مُؤَجَّلاً) مؤقتا لا يتقدم ولا يتأخر فلم انهزمتم والهزيمة لا تدفع الموت والثبات لا يقطع الحياة (وَمَنْ يُرِدْ) بعمله (ثَوابَ الدُّنْيا) أي جزاءه منها (نُؤْتِهِ مِنْها) ما قسم له ولا حظ له في الآخرة (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) أي من ثوابها (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) (١٤٥)
____________________________________
قوله : (وما محمّد إلّا رسول الله) أي لا رب معبود فالقصر قصر قلب ، والمقصود من ذلك الرد على المنافقين ، حيث قالوا لضعفاء المسلمين إن كان محمد قتل فارجعوا إلى دينكم ودين آبائكم ، فأفاد أن محمدا عبد مرسل يجوز عليه الموت لا رب معبود حتى تترك عبادة الله من أجل موته ، لأن المقصود من وجوده تبليغ رسالة ربه ، ولذلك نزل قرب وفاته (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) ولكن يجب علينا تعظيمه واحترامه حيا وميتا ، واعتقاد أن معجزاته باقية واتباعه وطاعته ، قال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) ولم يقل لأصحابك ، وقال عليه الصلاة والسّلام : «حياتي خير لكم ومماتي خير لكم فمن اعتقد أن النبي لا نفع به بعد الموت بل هو كآحاد الناس فهو الضال المضل.
قوله : (أَوْ قُتِلَ) أي فرضا. قوله : (رجعتم إلى الكفر) أشار بذلك إلى أن قوله : (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) كناية عن الرجوع للكفر لا حقيقة الإنقلاب على الأعقاب الذي هو السقوط إلى خلف ، وهذه الآية قالها أبو بكر الصديق يوم وفاته صلىاللهعليهوسلم حين طاشت عقول الصحابة وارتد من ارتد ، حتى قال عمر : كل من قال إن محمدا قد مات رميت عنقه بسيفي ، فبلغ أبا بكر الخبر فدخل على النبي صلىاللهعليهوسلم وكشف اللثام عن وجهه وقبله بين عينيه وقال طبت يا حبيبي حيا وميتا ، كنت أود لو أفديك بنفسي ومالي ، ولكن قال الله إنك ميت وإنهم ميتون ، وخرج وجمع الصحابة وصعد المنبر وخطب خطبة عظيمة قال فيها : أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، وقد قال تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) الآية ، فثبت الناس حتى قال عمر : والله كأن هذه الآية لم أسمعها إلا من أبي بكر. قوله : (والجملة الأخيرة) أي التي هي قوله : (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ). قوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) هذا رد لمن يفر من القتال خوفا على نفسه من الموت. قوله : (لا يتقدم ولا يتأخر) أي لقوله تعالى : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ). قوله : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا) أي يصرف نيته للدينا وزخارفها تاركا الآخرة وما فيها. قوله : (وما قسم له) من الدنيا يأتيه على كل حال ، فلا فرق بين من يطلبها ومن لا يطلبها ، فلا تجعل الدنيا أكبر همك ولا مبلغ علمك ، بل اجعل مطمح نظرك عبادة ربك ، قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وما قدر لك فلا بد من وصوله إليك طلبته أو لا.
وقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ) هذا من جملة التسلية لأهل أحد على ما أصابهم ، وفيه توبيخ لمن