بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ) أي ما يستر عورتكم (عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) عند الصلاة والطواف (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) ما شئتم (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (٣١) (قُلْ) إنكارا عليهم (مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) من اللباس (وَالطَّيِّباتِ) المستلذات (مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالاستحقاق وإن شاركهم فيها غيرهم (خالِصَةً) خاصة بهم بالرفع والنصب حال
____________________________________
قوله : (يا بَنِي آدَمَ) الخ سبب نزولها كما قال ابن عباس : أن العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ، الرجال بالنهار والنساء بالليل ، يقولون لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها ، وكانوا لا يأكلون في أيام حجهم إلا قوتا ، ولا يأكلون لحما ولا دسما ، يعظمون بذلك حجهم ، فهم المسلمون أن يفعلوا كفعلهم. قوله : (ما يستر عورتكم) راعى في هذا المحل سبب النزول ، وأصل الواجب وعموم اللفظ يفيد أن المطلوب في الصلاة والطواف ومشاهد الخير جميل الثياب كما هو المندوب شرعا تأمل. قوله : (عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) المسجد في الأصل موضع السجود ، ثم أطلق وأريد منه نفس الصلاة والطواف ، من باب تسمية الحال باسم المحل ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فالذي ينبغي للأمة التجمل بالثياب عند حضور مشاهد الخير مع القدرة.
قوله : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) أي من الحلال فإنه رأس التقوى. قوله : (وَلا تُسْرِفُوا) أي بأن تحرموا الحلال كما كانوا يفعلون من امتناعهم من اللحم والدسم ، أو تحلوا الحرام أو تتجاوزوا الحد في الأكل والشرب ، كالتعمق في ذلك أو الإكثار المضر ، لما في الحديث : «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه» لأن ما زاد على ثلث البطن لا يعود على الشخص إلا بالضرر ، لما في الحديث : «أصل كل داء البردة وهي إدخال الطعام على الطعام» فالمناسب أن لا يأكل حتى يجوع ، وأن يقوم ونفسه تشتهي ، فإن ملك النفس عن الإسراف في المباح ، أكبر دليل على ملكها عن الحرام. قوله : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) أي يعاقبهم على ذلك ولا يرضى فعلهم. قوله : (إنكارا عليهم) أي وتوبيخا لهم ، وحيث كان إنكاريا فلا جواب له.
قوله : (الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) أي التي خلقها لهم من النبات ، كالقطن والكتان. ومن الحيوان كالحرير والصوف. ومن المعادن ، كالدروع ، وكلها جائزة للرجال والنساء ، ما عدا الحرير الخالص للرجال فإنه يحرم عليهم إجماعا ، وأما ما اختلط بالحرير وغيره ففي خلاف بين العلماء بالكراهة والحرمة والجواز ، والمعتمد عدم الحرمة. قوله : (قُلْ هِيَ) أي الزينة من الثياب والطيبات من الرزق. قوله : (بالاستحقاق) أي الأصلي ، وأما مشاركة غيرهم لهم فهو بطريق التبع ، وهذا جواب عما يقال : إن المشاهد أن الكافر يستمتع بالزينة والمستلذات أكثر من المسلم ، فكيف يقال إنها : (لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فأجاب بما ذكر ، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) الآية ، ولذا لا يعاقبون عليها ، لأن الله خلقها لهم بطريق الأصالة ليستعينوا بها على طاعاته ، ولذا إذا عدمت المؤمنون في آخر الزمان تقوم القيامة ، إذ لم يبق مستحق للنعم. قوله : (خاصة بهم) أي لا يشاركهم فيها غيرهم. قوله : (بالرفع) أي خبر ثان. قوله : (والنصب حال) أي من الضمير في الخبر في المحذوف ، والتقدير هي كائنة : (لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) حال كونها خالصة لهم يوم القيامة ، وإنما كانت خالصة للمؤمنين يوم القيامة ، لأن