يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٢١٢) أي رزقا واسعا في الآخرة أو الدنيا بأن يملك المسخور منهم أموال الساخرين ورقابهم (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) على الإيمان فاختلفوا بأن آمن بعض وكفر بعض (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) إليهم (مُبَشِّرِينَ) من آمن بالجنة (وَمُنْذِرِينَ) من كفر بالنار (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ) بمعنى الكتب (بِالْحَقِ) متعلق بأنزل (لِيَحْكُمَ) به (بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) من الدين (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ) أي الدين (إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) أي الكتاب فآمن بعض وكفر بعض (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) الحجج الظاهرة على التوحيد ومن متعلقة باختلف وهي وما بعدها مقدم على الاستثناء في المعنى (بَغْياً) من الكافرين (بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ) للبيان (الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) بإرادته (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) هدايته (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢١٣) الطريق الحق. ونزل في جهد أصاب المسلمين (أَمْ) بل أ(حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ
____________________________________
قوله : (أي رزقا واسعا في الآخرة) أي لما في الحديث «لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها». قوله : (أو في الدنيا هذا تفسير آخر ، وقوله : (بأن يملك المسخور منهم إلخ) أي وقد حصل ذلك بعد الفتح وفي الغزوات ، فإنه ما من غزوة إلا ويأخذ منهم الأموال والرقاب في تلك الغزوة ، بل زادهم الله بأن ملكهم رقاب الملوك وأموالهم ، والحاصل أن رزق المؤمن في الدنيا بغير حساب بخلاف الكافر ، وفي الحديث : «أبى الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يحتسب» ، وأما في الآخرة فالأمر ظاهر.
قوله : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) أي في مبدأ الدنيا من آدم إلى إدريس وقيل من آدم إلى نوح ، والمعنى أنهم كانوا على الحق ولا اختلاف بينهم في تلك المدة ، وقيل كانوا على باطل في تلك المدة وهو ضعيف ، ولذا لم يعرج عليه المفسر. قوله : (بأن آمن بعض الخ) أي بعد ظهور نوح أو إدريس. قوله : (من آمن) هذا معمول مبشرين ، وقوله : (من كفر) معمول لمنذرين. قوله : (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ) أي مع مجموعهم لا جميعهم. قوله : (بمعنى الكتب) أشار بذلك إلى أن أل جنسية. قوله : (متعلق بأنزل) أي والباء للملابسة. قوله (لِيَحْكُمَ) يحتمل عود الضمير على الله لأنه الحاكم حقيقة ، ويحتمل عوده على الأنبياء باعتبار كل فرد من أفرادهم ، أي ليحكم كل نبي بين أمته. قوله : (من الدين) بيان لما.
قوله : (إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) استثناء مفرغ فالمستثنى منه محذوف ، أي وما اختلف فيه أحد إلا الذين أوتوه ، والمعنى لم يختلف في الدين أحد إلا الذين أوتوا الكتاب ، فالاختلاف من عهد إنزال الكتب ، وذلك يؤيد القول بأن الاختلاف من زمن إدريس. قوله : (وهي وما بعدها مقدم على الاستثناء) أي فيكون المعنى وما اختلف في الدين أحد من بعد ظهور الحجج الواضحة حال كون الاختلاف بغيا إلا الذين أوتوه ، وإنما جعل مقدما على الاستثناء لئلا يكون الاستثناء المفرغ متعددا مع أنه لا يكون كذلك لأنه يصير المعنى حينئذ : إلا الذين أوتوه إلا من بعد ما جائتهم البينات إلا بغيا بينهم.
قوله : (بَغْياً) أي ظلما وتعديا. قوله : (للبيان) أي بيان الأمر الذي اختلفوا فيه. قوله : (بإرادته) أي سبقت إرادته بهداية الذين آمنوا للحق الذي اختلف فيه الكفار. قوله : (هدايته) أشار بذلك إلى أنه مفعول يشاء ، وأشار بذلك إلى أن الهداية والاضلال ليسا من فعل الإنسان بل بخلق الله ، فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا. قوله : (طريق الحق) أي دين