المسلمين ذلك (وَالْحُرُماتُ) جمع حرمة ما يجب احترامه (قِصاصٌ) أي يقتص بمثلها إذا انتهكت (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ) بالقتال في الحرم أو الاحرام أو الشهر الحرام (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) سمى مقابلته اعتداء لشبهها بالمقابل به في الصورة (وَاتَّقُوا اللهَ) في الانتصار وترك الاعتداء (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (١٩٤) بالعون والنصر (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) طاعته الجهاد وغيره (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ) أي أنفسكم والباء زائدة (إِلَى التَّهْلُكَةِ) الهلاك بالإمساك عن النفقة في الجهاد أو تركه لأنه يقوي العدو عليكم (وَأَحْسِنُوا) بالنفقة وغيرها (إِنَّ اللهَ يُحِبُ
____________________________________
والحرم معظمة قديما ، ويزعم محمد أنه يحكم بالعدل وهو ينتهك حرمة الشهر الحرام والحرم ، فرد الله عليهم بقوله الشهر الحرام أي الذي نقاتلكم فيه في مقابلة الشهر الحرام ، أي الذي صددتمونا فيه عن العمرة والدخول وقاتلنا سفهاؤكم ولا يسمى انتهاكا ولا عدم تعظيم للحرم ، لأنه لما كان بأمر الله اندفع ذلك كله. قوله : (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) أي متى حصل انتهاك من أحد لحرمة آخر سقطت حرمته فيقتص له منه ، ومن هنا قول بعضهم ملغزا فيمن قطعت يده ظلما ومن قطعت يده لأجل السرقة :
يد بخمس مئين عسجد وديت |
|
ما بالها قطعت في ربع دينار |
أجاب عنه القاضي عبد الوهاب البغدادي بقوله :
عز الأمانة أغلاها وأرخصها |
|
ذل الخيانة فافهم حكمة الباري |
قوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ) تسميته اعتداء ظاهر لأنه للحذ ، وقوله : (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) أي انتقموا منه وقاتلوا فتسميته اعداء مشاكلة لمقابله ، قوله : (بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) توكيد لقوله والحرمات قصاص ، وكل هذا منسوخ بقوله واقتلوهم حيث ثقفتموهم. قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) أي ومن التقوى رحمة عباده سيما إذا لم يقاتلوكم أو إذا قدرتم عليهم فالأولى العفو. قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) أي معية خاصة فيمدهم بالنصر والعون ، وإلا فهو مع كل نفس بعلمه وتصرفه.
قوله : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي ابذلوا أنفسكم وأموالكم في طاعته ومراضيه ، سواء الجهاد وغيره كصلة الرحم ومراعاة الضعفاء والفقراء من عباد الله. قوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ) عبر الأيدي عن الأنفس اكتفاء بالجزء الأهم من النفس كقوله في آية أخرى : (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) أي أنفسكم. قوله : (إِلَى التَّهْلُكَةِ) أي إلى الهلاك أي إلى أسبابه ، وأسباب الهلاك إمساك الأموال والأنفس عن الجهاد لأن به يقوى العدو وتكثر المصائب في الدين والذل لأهله كما هو مشاهد ، ومن أنفق أمواله ونفسه في سبيل الله فقد ألقى بنفسه إلى العز الدائم في الدنيا والآخرة ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون. قوله : (وَأَحْسِنُوا) أي افعلوا الإحسان بالإنفاق في سبيل الله وغيره من أنواع العبادات. قوله : (أي يثيبهم) فسر المحبة في حق الله بالإثابة ، لأن حقيقتها وهي ميل القلب للمحبوب مستحيلة في حق الله تعالى ، والإثابة لازمة لذلك ، والقاعدة أن كل ما استحال على الله باعتبار مبدئه وورد يطلق ويراد لازمه وغايته.