بِمُؤْمِنِينَ) (٨) روعي فيه معنى من وفي ضمير يقول لفظها (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) باظهار خلاف ما أبطنوه من الكفر ليدفعوا عنهم أحكامه الدنيوية (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لأن وبال خداعهم راجع إليهم فيفتضحون في الدنيا بإطلاع الله نبيه على ما أبطنوه ويعاقبون في الآخرة (وَما يَشْعُرُونَ) (٩) يعلمون أن خداعهم لأنفسهم والمخادعة هنا من واحد كعاقبت اللص وذكر الله فيها
____________________________________
قيل لم يوجد منافق أو مشرك إلا في بني آدم فقط وكفر الجن بغير الإشراك والنفاق وهو جمع إنسان أو إنسي ، والمراد من المنافقين هنا بعض سكان البوادي بعض أهل المدينة في زمنه صلىاللهعليهوسلم وخير ما فسرته بالوارد ، قال تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) الآية.
قوله : (وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ) أعاد الجار لإفادة تأكد دعواهم الإيمان بكل ما جاء به رسول الله ، فرد عليهم المولى بأبلغ رد بقوله : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) حيث أتى بالجملة الإسمية وزاد الجار في الخبر. قوله : (لأنه آخر الأيام) علة لتسميته اليوم الآخر ، والمراد بالأيام الأوقات ، وهل المراد الأوقات المحدودة وهو بناء على أن أوله النفخة وآخره الإستقرار في الدارين أو الأوقات الغير المحدودة بناء على أنه لا نهاية له. قوله : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) جملة اسمية تفيد الدوام والإستمرار ، أي لم يتصفوا بالإيمان في حال من الأحوال ، لا في الماضي ولا في الحال ولا في الإستقبال.
قوله : (يُخادِعُونَ اللهَ) هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره ما الحامل لهم عن إظهار الإيمان وإخفاء الكفر ، وحقيقة المخادعة أن يظهر لصاحبه أنه موافق ومساعد له على مراده ، والواقع أنه ساع في إبطال مراده ، فاظهار خلاف ما يبطن إن كان في الدين سمي نفاقا وخديعة ومكرا ، وإن كان في الدنيا بأن يصانع أهل الدنيا لأجل حماية الدين ووقايته تسمى مداراة وهي ممدوحة. قوله : (من الكفر) بيان لما أبطنوه. قوله : (ليدفعوا) علة للإظهار. قوله : (أحكامه) أي الكفر. وقوله : (الدنيوية) أي الكائنة في الدنيا وذلك كالقتل والسبي والجزية والذل ، ولو قصدوا دفع أحكامه الأخروية من الخلود في النار وغضب الجبار لأخلصوا في إيمانهم. قوله : (لأن وبال خداعهم) أي عذابه وعاقبة أمره. قوله : (راجع إليهم) قال تعالى : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ). قوله : (فيفتضحون) تفريع على قوله : (لأن وبال خداعهم إلخ) قوله : (بإطلاع الله نبيه) أي وأمره بإخراجهم من المسجد ونزل فيهم : (ولا تصل على أحد منهم) الآيات. قوله : (ويعاقبون في الآخرة) أي العذاب الدائم المؤيد في الدرك الأسفل. قوله : (يعلمون) سمى العلم شعورا لأنه يكون بأحد المشاعر الخمس وهي : الشم والذوق واللمس والسمع والبصر. قوله : (والمخادعة هنا من واحد) أي فليست على بابها وهو جواب عن سؤال تقديره إن المفاعلة تكون من الجانبين ، وفعل الله لا يقال فيه مخادعة ، فأجاب بما ذكر ، وقد ورد سؤال آخر حاصله أن الخداع لا يكون إلا لمن تخفى عليه الأمور ، فما معنى إسناد المخادعة إلى الله أجيب بأن في الكلام استعارة تمثيلية ، حيث شبه حالهم مع ربهم في إيمانهم ظاهرا لا باطنا بحال رعية تخادع سلطانها واستعير اسم المشبه به للمشبه ، أو مجاز عقلي ، أي يخادعون رسول الله من اسناد الشيء إلى غير من هو له أو مجاز بالحذف ، أو في الكلام تورية وهي أن يكون للكلام معنى قريب وبعيد ، فيطلق القريب ويراد البعيد وهو مطلق الخروج عن الطاعة باطنا ، وإن كان العامل لا تخفى عليه خافية ، وأشار المفسر لذلك كله بقوله : (وذكر الله فيها تحسين) أي