فيجازيهم بأعمالهم (وَقالُوا) أي كفار مكة (لَوْ لا) هلا (نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) كالناقة والعصا والمائدة (قُلْ) لهم (إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ) بالتشديد والتخفيف (آيَةٌ) مما اقترحوا (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٣٧) أن نزولها بلاء عليهم لوجوب هلاكهم إن جحدوها (وَما مِنْ) زائدة (دَابَّةٍ) تمشي (فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ) في الهواء (بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) في تدبير خلقها ورزقها وأحوالها (ما فَرَّطْنا) تركنا (فِي الْكِتابِ) اللوح المحفوظ (مِنْ) زائدة (شَيْءٍ) فلم
____________________________________
للحساب والجزاء ، وأما البعث فهو الإحياء بعد الموت فتغايرا. قوله : (وَقالُوا) هذا إنكار منهم لما جاء به من المعجزات الباهرة ، حيث جعلوا ما جاء به سحرا وكهانة وطلبوا غيره. قوله : (كالناقة والعصا) أي والنار لإبراهيم ، وإلانة الحديد لداود ، وغير ذلك من معجزات الأنبياء الظاهرة ، فنزلوا معجزاته صلىاللهعليهوسلم منزلة العدم ، حتى طلبوا معجزة على صدقه ، ولكنهم من عمى قلوبهم ، لم يفرقوا بين معجزاته ومعجزات غيره ، فإن معجزاته أعلى وأجل ، قال العارف البرعي :
وإن قابلت لفظه لن تراني |
|
بما كذب الفؤاد فهمت معنى |
وقال أيضا :
وإن يك خاطب الأموات عيسى |
|
فان الجذع حق له وأنّ |
إلى آخر ما قال. قوله : (بالتشديد والتخفيف) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أن نزولها الخ) هذه الجملة في محل نصب مفعول يعلمون. قوله : (بلاء عليهم) أي لعدم إيمانهم وانتفاعهم بها. قوله : (لوجوب هلاكهم) أي بحسب جري عادة الله ، بأن من اقترح آية وجاءته ولم يؤمن بها أهلكه الله ، فعدم إجابتهم لما اقترحوا رحمة بالأمة المحمدية جميعا لأن الله منّ على نبيه ببقائها إلى يوم القيامة ، ولو أجاب المتعنتين بعين ما طلبوا ، لانقرضت الأمة كما انقرض من تعنت قبلهم.
قوله : (وَما مِنْ دَابَّةٍ) كلام مستأنف مسوق لبيان كمال قدرته تعالى وسعة علمه وتدبيره. قوله : (تمشي) قدره خاصا لدلالة مقابلة وهو قوله يطير عليه ، قال العلماء : جميع ما خلقه الله عزوجل لا يخرج عن المشي والطيران ، وألحقوا حيوان البحر بالطير لأنه يسبح في الماء ، كما أن الطير يسبح في الهواء. قوله : (فِي الْأَرْضِ) خصها بالذكر لأن المشاهد أقطع لحجة الخصم ، وإلا فسكان السماء كذلك. قوله : (بِجَناحَيْهِ) صفة كاشفة ، نظير قوله : نظرت بعيني وسمعت بأذني.
قوله : (إِلَّا أُمَمٌ) أي طوائف وجماعات أمثالكم ، أي كل نوع على صفة وطريقة وشكل كما أنكم كذلك ، فمن الدواب العزيز والذليل والمرزوق بسهولة وبتعب والقوي والضعيف والكبير والصغير والمتحيل في الرزق وغير المتحيل كبني آدم. قوله : (في تدبير خلقها) أي وتصريفه فيها في كل لحظة ، بجلب المنافع لها ، ودفع المضار عنها ، ولطفه بها ، فلا يشغله شأن عن شأن ، قال تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ). قوله : (وأحوالها) أي من إحيائها وإماتتها وإعزازها وإذلالها ونحو ذلك ، وكذلك تعرف ربها وتوحده ، كما أنتم تعرفونه وتوحدونه ، ولم يوجد كافر إلا من الجن والآدميين ، وإلا فجميع المخلوقات عقلاء ، وغيرهم مجبولون على التوحيد ، قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)