الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) بأن آثروها عليها (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٨٦) يمنعون منه (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) التوراة (وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ) أي أتبعناهم رسولا في أثر رسول (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) المعجزات كإحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص (وَأَيَّدْناهُ) قويناه (بِرُوحِ الْقُدُسِ) من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الروح المقدسة جبريل لطهارته يسير معه حيث سار فلم تستقيموا (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى) تحب (أَنْفُسُكُمُ) من الحق (اسْتَكْبَرْتُمْ) تكبرتم عن اتباعه جواب كلما وهو محل الإستفهام والمراد به التوبيخ (فَفَرِيقاً) منهم
____________________________________
آثروها) بالمد بمعنى قدموها.
قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) شروع في ذكر نعم أخرى لبني إسرائيل قابلوها بقبائح عظيمة ، وصدر الجملة بالقسم زيادة في الرد عليهم. قوله : (وَقَفَّيْنا) من التقفية وهي المشي خلف القفا أطلق ، وأريد به مطلق الإتباع. قوله : (مِنْ بَعْدِهِ) يحتمل أن الضمير عائد على موسى أو الكتاب. قوله : (أي أتبعناهم رسولا في أثر رسول) ظاهره أنه لا يجتمع رسولان في زمن واحد ، وليس كذلك ، فإن زكريا ويحيى كانا في زمن واحد ، وكذا دواد وسليمان ، وورد أنهم قتلوا سبعين نبيا في يوم واحد واقاموا سوقهم ، وأجيب بأن مراد التبع في العمل بالتوراة ، فكل الأنبياء الذين بين موسى وعيسى يعملون بالتوراة بوحي من الله لا تقليدا لموسى. إذا علمت ذلك ، فالمناسب للمفسر أن يقول أي اتبعنا بعضهم بعضا في العمل بالتوراة كانوا في زمن واحد أو لا ، وقوله بالرسل مراده ما يشمل الأنبياء وعدة الأنبياء والرسل الذين بين موسى وعيسى سبعون ألفا وقيل أربعة آلاف.
قوله : (وَآتَيْنا عِيسَى) معطوف على آتينا موسى وخصه بالذكر ، وإن كان داخلا في قوله : (وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ) لعظم شرفه ومزيته ، ولكون رسولا مستقلا بشرع يخصه لأنه نسخ بعض ما في التوراة ، وللرد على اليهود حيث ادعوا أنهم قتلوه ، وعيسى لغة عبرانية معناه السبوح. قوله : (ابْنَ مَرْيَمَ) معنى مريم خادمة لله ، وفي اصطلاح العرب المرأة التي تكره مخالطة الرجال. قوله : (الْبَيِّناتِ) أل للعهد أي المعجزات المعهودة له. قوله : (وإبراء الأكمة) هو من ولد أعمى. قوله : (أي الروح القدس) أي المطهرة. قوله : (جبريل) وجه تسميته روحا أن الروح جسم نوراني به حياة الأبدان ، وجبريل جسم نوراني به حياة القلوب. قوله : (لطهارته) أي من المعاصي والمخالفات والأقذار ، وقد مدحه الله بقوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) الآية. قوله : (يسير معه حيث سار) أي ولم يزل معه حتى رفعه إلى السماء. قوله : (فلم تستقيموا) قدره المفسر لعطف قوله أفكلما جاءكم رسول عليه. قوله : (بِما لا تَهْوى) ماضيه هوى من باب تعب وضرب ، سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه إلى النار ، وهو تذكير للفروع بقبائح أصولهم.
قوله : (اسْتَكْبَرْتُمْ) السين زائدة والتقدير تكبرتم كلما جاءكم رسول بالذي لا تحبه أنفسكم. قوله : (والمراد به التوبيخ) أي اللوم والتقريع عليهم. قوله : (فَفَرِيقاً) معمول لكذبتم وقدم مراعاة للفواصل ، وقدم التكذيب على القتل مع أن القتل أشنع لأن التكذيب مبدأ القتل. قوله : (كعيسى) أي كذبوه ولم يتمكنوا من قتله بل رفعه الله إلى السماء. قوله : (المضارع لحكاية الحال الماضية) أي فنزل وقوعه