(الْخَبِيرُ) (١٠٣) بهم قل يا محمد (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ) حجج (مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ) ها فآمن (فَلِنَفْسِهِ) أبصر لأن ثواب إبصاره له (وَمَنْ عَمِيَ) عنها فضل (فَعَلَيْها) وبال إضلاله (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (١٠٤) رقيب لأعمالكم إنما أنا نذير (وَكَذلِكَ) كما بينا ما ذكر (نُصَرِّفُ) نبين (الْآياتِ) ليعتبروا (وَلِيَقُولُوا) أي الكفار في عاقبة الأمر (دَرَسْتَ) ذاكرت أهل الكتاب وفي قراءة درست أي كتب الماضين وجئت بهذا منها (وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (١٠٥) (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أي القرآن (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (١٠٦) (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا
____________________________________
وكذا رؤياه في المنام. قوله : (بَصائِرُ) جمع بصيرة وهي النور الباطني الذي ينشأ عنه العلوم والمعارف. قوله : (حجج) جمع حجة وهي الأدلة ، وسميت الحجج بصائر ، لأنها تنشأ عنها من باب تسمية المسبب باسم السبب. قوله : (فَمَنْ أَبْصَرَ) (ها) قدر المفسر الضمير إشارة إلى أن المفعول محذوف. قوله : (فَلِنَفْسِهِ) (أبصر) قدر المفسر متعلق الجار والمجرور فعلا ماضيا مؤخرا ، وهو غير مناسب للزوم زيادة الفاء ، بل المناسب تقديره اسما مبتدأ ، والجار والمجرور خبره ، والتقدير فابصاره لنفسه ، وكذا يقال في قوله : (وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها). قوله : (لأن ثواب إبصاره) أي نفعه فلا يعود على الله من الطاعة نفع ، ولا يصل له من المعصية ضر. قوله : (وَمَنْ عَمِيَ) (عنها) أي عن البصائر بمعنى الحجج.
قوله : (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) الكاف في محل نصب نعت لمصدر محذوف تقديره نصرف الآيات في غير هذه السور تصريفا ، مثل التصريف في هذه السورة. قوله : (كما بينا ما ذكر) أي الأحكام المذكورة. قوله : (نبين) (الْآياتِ) هذا وعد من الله بإكمال الدين وإظهاره ، فلذا كان نزول قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) من مبشرات الوفاء لرسول الله. قوله : (ليعتبروا) أي لتقوم بهم العبرة أي الاتعاظ ، فيميزوا الحق من الباطل ، وقدره المفسر لعطف قوله : (وَلِيَقُولُوا) عليه. قوله : (في عاقبة الأمر) أشار بذلك إلى أن اللام في (وَلِيَقُولُوا) لام العاقبة والصيرورة نظير قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) ، وقيل إن اللام للعلة حقيقة ، والمعنى نصرف الآيات ليعتبر الذين آمنوا ويزدادوا بها إيمانا ، وليقول الذين كفروا درست ليزدادوا كفرا ، ونظيره قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ). قوله : (دارست) كقاتلت ، من المدارسة ، والمعنى تذاكرت مع أهل الكتاب فتعلمت منهم تلك القصص. قوله : (وفي قراءة درست) أي قرأت الكتب ، وبقي قراءة ثالثة سبعية أيضا : وهي درست بفتح الدال والراء والسين ، أي عفت وبليت وتكررت على الأسماع. قوله : (وجئت بهذا منها) راجع لكل من القراءتين.
قوله : (وَلِنُبَيِّنَهُ) أي الآيات ، وذكر باعتبار معناها وهو القرآن. قوله : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ) لما ذكر الله سبحانه وتعالى قبائح المشركين وتكذيبهم لرسول الله ، أخذ يسلي رسوله بقوله : اتبع ، أي دم على ذلك ، ولا تبال بكفرهم ، ولا تلتفت لقولهم ، وما اسم موصول ، والعائد محذوف ، ونائب فاعل أوحي ضمير مستتر عائد على ما ، وإليك متعلق بأوحي ، ومن ربك متعلق بمحذوف حال ، ومن لابتداء الغاية ، والتقدير اتبع الذي أوحي إليك هو أي القرآن ، حال كونه ناشئا وصادرا من ربك ، ويصح أن تكون