باغوائكم (وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ) الذين أطاعوهم (مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) انتفع الإنس بتزيين الجن لهم الشهوات والجن بطاعة الإنس لهم (وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) وهو يوم القيامة وهذا تحسر منهم (قالَ) تعالى لهم على لسان الملائكة (النَّارُ مَثْواكُمْ) مأواكم (خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ) من الأوقات التي يخرجون فيها لشرب الحميم فإنه خارجها كما قال ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم وعن ابن عباس أنه فيمن علم الله أنهم يؤمنون فما بمعنى من (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ) في صنعه (عَلِيمٌ) (١٢٨) بخلقه (وَكَذلِكَ) كما متعنا عصاة الإنس والجن بعضهم ببعض (نُوَلِّي) من الولاية (بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) أي على بعض (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٢٩) من
____________________________________
قوله : (وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ) لعل وجه الاقتصار على كلام الإنس ، الإشارة إلى أن الجن بهتوا فلم يردوا جوابا ، وقوله من الإنس في محل نصب على الحال. قوله : (رَبَّنَا) منادى حذف منه حرف النداء. قوله : (انتفع الإنس بتزيين الجن لهم الشهوات) أي التي تنوعت فيها الإنس من سحر وكهانة ، ودعوى ألوهية ، ودعوى نبوة ، وسائر الأديان والعقائد الباطلة ، ومن ذلك كان الرجل في الجاهلية ، إذا سافر فنزل بأرض قفراء ، خاف على نفسه من الجن فقال : أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيبيت في جوارهم. قوله : (بطاعة الإنس لهم) أي في هذه الأمور المزينة ، فاستمتاع الجن بالإنس بالسلطنة التي تولوها عليهم حيث امتثلوا أوامرهم ، وكانوا من حزبهم ودخلوا في جاههم. قوله : (الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) أي الذي قدرته لنا. قوله : (وهذا تحسر منهم) أي ما وقع منهم من تلك المقالة تحسر وتحزن على ما سلف منهم ، من طاعة الشيطان واتباع الهوى قوله : (على لسان الملائكة) مرور على القول بأن الله لا يكلمهم يوم القيامة أصلا.
قوله : (خالِدِينَ فِيها) حال من الكاف في مثواكم. قوله : (من الأوقات التي يخرجون فيها) تبع المفسر في ذلك شيخه الجلال المحلي في تفسير سورة الصافات ، وهو مخالف لظاهر قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) والأحسن أن يقال إلا ما شاء الله من الأوقات التي ينقلون في فيها من النار إلى الزمهرير ، فينقلون من عذاب النار ، ويدخلون واديا فيه الزمهرير ، وهو شدة البرد ، ما يقطع بعضهم من بعض ، فيطلبون الرد إلى الجحيم ، كما ذكر في حواشي البيضاوي. قوله : (لشرب الحميم) أي وهو ماء شديد الحرارة يقطع الأمعاء ، وذلك حين يستغيثون من شر النار ، يطلبون الماء ليبرد عنهم تلك الحرارة ، قال تعالى : (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ). وقوله : (وعن ابن عباس الخ) أي فيحمل على من مات مؤمنا وهو مصر على المعاصي ، ونفذ فيه الوعيد ، ويكون المراد من النار دار العذاب ، وإن لم تكن دار خلود كجهنم لعصاة المؤمنين. قوله : (حَكِيمٌ) (في صنعه) أي يضع الشيء في محله. قوله : (عَلِيمٌ) (بخلقه) أي فيجازي كلا على عمله.
قوله : (نُوَلِّي) أي نسلط ونؤمر. قوله : (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) الباء سببية ، وما مصدرية ، والمعنى كما متعنا الإنس والجن بعضهم ببعض ، نسلط بعض الظالمين على بعض ، بسبب كسبهم من المعاصي ، فيؤخذ الظالم بالظالم ، لما في الحديث «ينتقم الله من الظالم بالظالم ثم ينتقم من كليهما» ولما في الحديث أيضا «كما تكونوا يولى عليكم» ومن هذا المعنى قول الشاعر :