النبي صلىاللهعليهوسلم (تُبْدَ لَكُمْ) المعنى إذا سألتم عن أشياء في زمنه ينزل القرآن بإبدائها ومتى أبداها ساءتكم فلا تسألوا عنها قد (عَفَا اللهُ عَنْها) عن مسألتكم فلا تعودوا (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (١٠١) (قَدْ سَأَلَها) أي الأشياء (قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) أنبياءهم فأجيبوا ببيان أحكامها (ثُمَّ أَصْبَحُوا) صاروا (بِها كافِرِينَ) (١٠٢) بتركهم العمل بها (ما جَعَلَ) شرع (اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) كما كان أهل الجاهلية يفعلونه روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال البحيرة التي يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس ، والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل
____________________________________
عائد على الأشياء المتقدمة ، وقوله : (حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ) ظرف متعلق بتسألوا ، وقوله : (تُبْدَ لَكُمْ) جواب الشرط. قوله : (المعنى إذا سألتم الخ) حاصل ما أفاده المفسر أن هنا جملتين شرطيتين ونهي ، فالأصل تأخير النهي عن الجملتين ، وتأخير الجملة الأولى عن الثانية ، وإنما قدم النهي ونتيجته وهي الإساءة اعتناء بزجر عباده ، وهذا التقديم والتأخير باعتبار المعنى ، وإلا قالوا ولا تقتضي ترتيبا ولا تعقيبا. قوله : (إذا سألتم عن أشياء) هو معنى الجملة الثانية ، وقوله : (متى أبداها ساءتكم) هو معنى الجملة الأولى ، وقوله : (فلا تسألوا عنها) هو معنى النهي ، وما ذكره المفسر أحد احتمالات في الآية وهو أحسنها ، قوله : (عَفَا اللهُ عَنْها) أي لم يؤاخذكم بذلك. قوله : (عن مسألتكم) أي عن جوابها ، والمعنى لم يجبكم بالتشديد مع استحقاقكم إياه بالسؤال عما لا يعنيكم ، فضلا منه ولطفا بكم. قوله : (فلا تعودوا) أي لمثل هذه الأسئلة.
قوله : (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) في معنى العلة لقوله (عَفَا اللهُ عَنْها) أي عفا عنها ، لأنه غفور يستر الذنوب ويمحوها ، حليم لا يعجل بالعقوبة على من عصاه. قوله : (قد سألها) هذا امتنان من الله تعالى على هذه الأمة ، حيث لم يشدد عليهم كما شدد على من قبلهم ، رحمة منه وزجرا لهم عن وقوع مثل ذلك منهم. قوله : (أي الأشياء) أي نوع الأشياء وهو ما فيه الإساءة ، كسؤال قوم صالح أن يأتي لهم من الجبل بناقة ، وكسؤال قوم عيسى المائدة ، وكسؤال قوم موسى رؤية الله جهرة ، فأجاب سؤالهم بالتشديد عليهم في التكاليف فخالفوا فحل بهم ما حل من العذاب ، وإنما قال هنا قد سألها ولم يقل عنها إشارة إلى أن السؤال كما يتعدى بالحرف يتعدى بنفسه. قوله : (بيان أحكامها) أي أحكام الأشياء التي سألوها مع التشديد عليهم. قوله : (بتركهم العمل) أشار بذلك إلى أن الكفر إنما هو بترك العمل لا بنفس تلك الأشياء ، فالكلام على حذف مضاف.
قوله : (ما جَعَلَ اللهُ) رد إبطال لما كان عليه الجاهلية. قوله : (شرع) إن قلت إنه لم يرد في اللغة بمعنى شرع ، فالمناسب أن يفسرها بصير ، ويكون المفعول الثاني محذوفا ، والتقدير مشروعا. قوله : (مِنْ بَحِيرَةٍ) من زائدة في المفعول ، ووجد شرطها ، وهو كون مدخولها نكرة في سياق نفي. قوله : (درها) أي لبنها ، وقوله : (للطواغيت) أي خدمتها وهذا أحد أقوال في تفسير البحيرة وما بعدها وهو أصحها ، وقيل البحيرة هي الناقة متى تنتج خمسة أبطن في آخرها ذكر ، فتشق أذنها وتترك ، فلا تركب ولا تحلب ولا تطرد عن مرعى ولا ماء ، وإذا لقيها الضعيف لم يركبها ، وقيل هي الأنثى الخامسة في النتاج ، وقيل هي بنت السائبة ، وسبب هذا الاختلاف اختلاف العرب في البحيرة ، فبعضهم يطلقها على واحد من الأمور