المشركين (عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) أي مجادلة في التولي إلى غيره أي لتنتفي مجادلتهم لكم من قول اليهود يجحد ديننا ويتبع قبلتنا وقول المشركين يدعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) بالعناد فإنهم يقولون ما تحول إليها إلا ميلا إلى دين آبائه والاستثناء متصل والمعنى لا يكون لأحد عليكم كلام إلا كلام هؤلاء (فَلا تَخْشَوْهُمْ) تخافوا جدالهم في التولي إليها (وَاخْشَوْنِي) بامتثال أمري (وَلِأُتِمَ) عطف على لئلا يكون (نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) بالهداية إلى معالم دينكم (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٥٠) إلى الحق (كَما أَرْسَلْنا) متعلق بأتم أي إتماما كإتمامها بإرسالنا (فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) محمدا صلىاللهعليهوسلم (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا) القرآن (وَيُزَكِّيكُمْ) يطهركم من الشرك (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ) القرآن (وَالْحِكْمَةَ) ما فيه الأحكام (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (١٥١)
____________________________________
الناس عليكم ، واللام هذه لام كي وإن مصدرية ولا نافية ويكون منصوب بأن ، وللناس خبرها مقدم وحجة اسمها مؤخر وعليكم حال من حجة لأنه نعت نكرة تقدم عليها ، قوله : (أي لتنتفي إلخ) هذا حل معنى لا حل إعراب ، ولو حله حل إعراب لقال لعدم كون حجة ثابتة للناس عليكم قوله : (أي مجادلة) أي جدال في الباطل واعتراض وليس المراد بها المجادلة في الحق وإظهار حجته قوله : (من قول اليهود) هذا بيان للمجادلة ، قوله : (وقول المشركين) أي فقد زال ذلك وأما قولهم ما زال محمد في حيرة فباقية لم تزل ، قوله : (فإنهم يقولون) أي اليهود ، والحاصل أن الحجج أربع : لليهود حجتان وللمشركين كذلك ، أما حجة اليهود فهي ما له يصلي لقبلتنا ولا يتبع ديننا وأما حجة المشركين فهي يدعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته ، وهاتان الحجتان قد انقطعتا وبقيت حجة لكل ، أما حجة اليهود فقولهم ما تحول إليها إلا ميلا لدين الجاهلية ، وأما حجة المشركين فقولهم لم يزل محمد في حيرة ، قوله : (والإستثناء متصل) أي لأن ما قبله ظالمون أيضا ، قوله : (تخافوا جدالهم) أي لا يقدرون على إيصال نفع ولا دفع ضرر ، قوله : (عطف على لئلا يكون) أي فتحويل القبلة لحكم عظيمة الأولى تمييز المؤمن من غيره ، الثانية انقطاع الحجج ، الثالثة إتمام النعمة ، الرابعة الإهتداء إن قلت إن مقتضى هذه الآية إن النعمة تمت الآن ومقتضى ما يأتي في سورة المائدة في قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) أنها لم تتم إلا حين نزولها وهو يوم عرفة في حجة الوداع. أجيب بأن النعمة مقولة بالتشكيك ، فالمراد بها هنا استقبال الأشرف الذي هو الكعبة والمراد بها هنا الدين ، قوله : (مِنْكُمْ) هذه نعمة أخرى فوق أصل الإرسال لأنه لو كان ملكا لما استطاعوه لأن علة الإنضمام المجانسة ، قوله : (القرآن) خصه من دون المعجزات لأنه باق إلى الآن. قوله : (يطهركم من الشرك) أي حتى صرتم عدولا تشهدون على الناس يوم القيامة ، ويصح أن يقال معنى (يُزَكِّيكُمْ) يشهد لكم بالعدالة يوم القيامة.
قوله : (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ) أي حتى حفظتم لفظه عن ظهر قلب لقوله في الحديث : «وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم» قوله : (ما فيه من الأحكام) أي المعاني التي لا تحصى ، قال علي بن أبي طالب : لو أردت أن أوقر من الفاتحة حمل سبعين بعيرا لفعلت ، ومن معناه ما قال الخواص مما من الله به علي أن أعطاني مائة ألف علم وتسعة وتسعين الفا من علوم الفاتحة ، قوله : (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)