(فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) أبا الجن كان بين الملائكة (لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (١١) (قالَ) تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا) زائدة (تَسْجُدَ إِذْ) حين (أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (١٢) (قالَ فَاهْبِطْ مِنْها) أي من الجنة وقيل من السماوات (فَما يَكُونُ) ينبغي (لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ) منها (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) (١٣) الذليلين (قالَ أَنْظِرْنِي) أخرني (إِلى يَوْمِ
____________________________________
إن كان من هوى النفس لا بأمر الله ، ونظير ذلك تعظيمنا مشاعر الحج فتأمل.
قوله : (فَسَجَدُوا) أي قبل دخول الجنة ، وأول من سجد : جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم عزرائيل ثم الملائكة المقربون ، واختلف في مدة السجود ، فقيل مائة سنة ، وقيل خمسمائة سنة ، وقيل غير ذلك. قوله : (أبا الجن) هذا أحد قولين ، والثاني هو أبو الشياطين ، فرقة من الجن لم يؤمن منهم أحد. قوله : (كان بين الملائكة) أشار بذلك إلى أن الاستثناء منقطع ، وأنه ليس من الملائكة ، قال في الكشاف : لما اتصف بصفات الملائكة جمع معهم في الآية واحتيج إلى استثنائه ، ويدل على ذلك قوله تعالى : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) وقال بعضهم إنه من الملائكة ، فالاستثناء متصل وقوله تعالى كان من الجن أي في الفعل ، والمعول عليه الأول.
قوله : (ما مَنَعَكَ) ما استفهامية للتوبيخ في محل رفع بالابتداء ، والجملة بعدها خبر ، و «أن» في محل نصب أو جر ، لأنها على حذف حرف الجر و (إِذْ) منصوب بتسجد ، والتقدير أي شيء منعك من السجود حين أمرتك. قوله : (زائدة) أي لتأكيد معنى النفي في منعك ، فهو كما في ص بحذفها وهو الأصل ، لأن القرآن يفسر بعضه بعضا. قوله : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ) هذه الجملة لا محل لها من الإعراب ، لأنها كالتفسير والبيان لما قبلها من دعوى الخيرية.
فائدة : قال هنا : (ما مَنَعَكَ) ، وفي سورة الحجر قال : (يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) وفي سورة ص (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) الآية ، اختلاف العبارات عند الحكاية ، دل على أن اللعين قد أدرج في معصية واحدة ثلاثة معاص : مخالفة الأمر ، ومفارقة الجماعة ، والاستكبار مع تحقير آدم ، وشبهة الخيرية أن النار جسم لطيف نوراني ، والطين جسم كثيف ظلماني ، وما كان لطيفا نورانيا ، خير مما كان كثيفا ظلمانيا ، ولما كان ما احتج به على ربه باطلا ، لكون الطين فيه منافع كثيرة وفوائد جمة ، ويتوقف عليه نظام العالم لاحتياجه اليه ، ولما ينشأ عنه من النبات والماء اللذين هما غذاء العالم السفلي ، والنار منافعها قليلة ، ولا يتوقف عليها نظام العالم ، لوجود كثير منه غير محتاج لها ، ولا لما يسوى بها ، رد عليه المولى بأشنع رد ، وأجابه بجواب السائل المتعنت المتكبر بقوله : (فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) الآية.
قوله : (قالَ فَاهْبِطْ مِنْها) الفاء لترتيب الأمر على ما ظهر من مخالفة اللعين. قوله : (أي من الجنة) أي وعليه فبقي في السماوات خارج الجنة. قوله : (وقيل من السموات) أي فلم يبق له استقرار في العالم العلوي أصلا. قوله : (أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) أي ولا في غيرها ، ففي الكلام اكتفاء ، لأن الكبر مذموم مطلقا. قوله : (الذليلين) تفسير للصاغرين من الصغار ، وهو بالفتح الذل والضيم. قوله : (قالَ أَنْظِرْنِي) لما كره اللعين إذاقة الموت ، طلب البقاء والخلود إلى يوم البعث ، ومن المعلوم أن لا موت بعد ، فقصد استمرار