تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) مصدر تقيته أي تخافوا مخافة فلكم موالاتهم باللسان دون القلب وهذا قبل عزة الإسلام ويجري فيمن في بلد ليس قويا فيها (وَيُحَذِّرُكُمُ) يخوفكم (اللهُ نَفْسَهُ) أن يغضب عليكم إن واليتموهم (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (٢٨) المرجع فيجازيكم (قُلْ) لهم (إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ) قلوبكم من موالاتهم (أَوْ تُبْدُوهُ) تظهروه (يَعْلَمْهُ اللهُ وَ) هو (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٩) ومنه تعذيب من والاهم اذكر (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) ه (مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ) ه (مِنْ سُوءٍ) مبتدأ خبره (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) غاية في نهاية البعد فلا يصل إليها (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) كرر للتأكيد (وَاللهُ رَؤُفٌ
____________________________________
الواجب على المؤمنين قصر الموالاة والمحبة على بعضهم.
قوله : (فَلَيْسَ مِنَ) الكلام على حذف مضاف ، قدره المفسر بقوله دين وفيه حذف مضاف أيضا أي من أهل دين الله ، فالمعنى أنه كافر ، وإذا اطلعنا عليه فلا نبقيه بل نقتله ، ويسمى زنديقا ومنافقا ، واسم ليس ضمير يعود على من الشرطية. قوله : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا) هذا استثناء مفرغ من عموم الأحوال ، أي لا يتخذ المؤمن الكافر وليا لشيء من الأشياء ، ولا لغرض من الأغراض إلا للتقية ظاهرا بحيث يكون مواليه في الظاهر ومعاديه في الباطن. ومحصله أن الله نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ، إلا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين ، أو يكون المؤمن في قوم كفار فيداهنهم بلسانه مطمئنا قلبه بالإيمان ، فالتقية لا تكون إلا مع الخوف على النفس أو العرض. قوله : (تُقاةً) وزنه فعلة ويجمع على تقى كرطبة ورطب ، وأصله وقية لأنه من الوقاية ، فأبدلت الواو تاء والياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وقوله : من (تقيته) بفتح القاف بوزن رميته وهو بمعنى اتقيته. قوله : (دون القلب) أي فالموالاة به حرام إجماعا. قوله : (وهذا) أي قوله إلا أن تتقوا. قوله : (ليس قويا فيها) أي الإسلام ليس قويا في تلك البلدة ، كأن يجعل أمراء تلك البلدة الحكام من أهل الكفر ، فالواجب مداراتهم ظاهرا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا ، كما وقع لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه كان في داره يوما ، إذ أقبل عليه رجل فطرق الباب فقال من؟ فقال فلان فقال سرا : بئس أخو العشيرة ، ثم لما خرج إليه أطلق له وجهه وصار يلاطفه بالقول ، فلما انصرف قالت له عائشة : رأيت منك عجبا ، سمعتك تقول قولا ثم فعلت خلافه ، فقال : يا عائشة إنا لنبش في وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم.
قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ) الكاف مفعول أول ، ونفسه مفعول ثان ، وهو على حذف مضاف أشار له المفسر بقوله أن يغضب عليكم ، والأصل غضبت نفسه ، أي فإن واليتموهم غضب الله بجلاله عليكم. قوله : (فيجازيكم) أي إما بالثواب إن لم توالوهم أو بالعقاب إن واليتموهم. قوله : (يَعْلَمْهُ اللهُ) أي فيرتب الجزاء على ذلك. قوله : (يَوْمَ تَجِدُ) ظرف لمحذوف أي ذكر. قوله : (مُحْضَراً) أي حاضرا ظاهرا تفرح به ، وذلك كالصدقات والصيام والصلاة مثلا. قوله : (أَمَداً بَعِيداً) أي مسافة طويلة فيتمنى أن لم يكن رآه ، وقد ورد أن العبد إذا خرج من قبره وجد عمله الصالح في صورة حسنة ، فيقول له طالما كنت أقلقك في الدنيا فاركب على ظهري الآن فيركبه إلى الحشر ، وذلك قوله تعالى : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) وإذا كان غير صالح وجد عمله السيء في صورة قبيحة ، فيقول له طالما كنت تتمتع بي في