كَثِيراً لَيُضِلُّونَ) بفتح الياء وضمها (بِأَهْوائِهِمْ) بما تهواه أنفسهم من تحليل الميتة وغيرها (بِغَيْرِ عِلْمٍ) يعتمدونه في ذلك (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (١١٩) المتجاوزين الحلال إلى الحرام (وَذَرُوا) اتركوا (ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) علانيته وسره والإثم قيل الزنا وقيل كل معصية (إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ) في الآخرة (بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ) (١٢٠) يكتسبون (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) بأن مات أو ذبح على اسم غيره وإلا فما ذبحه المسلم ولم يسم فيه عمدا أو
____________________________________
ذلك أن يقال : إن اعتاد ذلك وصار دواء فهو جائز ، ولكن بقدر الضرورة ، وإن كان يضر جسمه أو يسرف فيه فهو حرام ، وإن اشتغل به عن عبادة مندوبة فهو مكروه ، فكثرته إما حرام أو مكروه. قوله : (بفتح الياء) أي من ضل اللازم ، بمعنى قام به الضلال في نفسه ، وقوله : (وضمها) أي من أضل الرباعي ، بمعنى أوقع غيره في الضلال. قوله : (بِأَهْوائِهِمْ) الباء سببية ، وفي قوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) متعلق بمحذوف حال ، والمعنى يضلون في أنفسهم ، أو يوقعون غيرهم في الضلال ، بسبب اتباعهم أهواءهم ، ملتبسين بغير علم. قوله : (وغيرها) أي كالدم ولحم الخنزير ، إلى آخر ما ذكر في آية المائدة. قوله : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) أي فيجازيهم على اعتدائهم.
قوله : (وَذَرُوا) الأمر للمكلفين من الإنس والجن وهو للوجوب. قوله : (علانيته وسره) لف ونشر مرتب. قوله : (قيل الزنا) أي وكان العرب يحبونه ، وكان الشريف منهم يستحي من إظهاره فيفعله سرا ، وغير الشريف لا يستحي من ذلك فيظهره ، فأنزل الله تحريمه ظاهرا وباطنا. قوله : (وقيل كل معصية) أي فالظاهر منها : كالزنا والسرقة وبقية معاصي الجوارح الظاهرية ، والباطن منها : كالكبر والحقد والحسد والعجب والرياء وحب الرياسة وغير ذلك من المعاصي القلبية ، وهذا التفسير هو الأقرب ، وإن كان الأول موافقا لسبب النزول ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قوله : (سَيُجْزَوْنَ) (في الآخرة) أي بالعذاب الدائم إن كان مستحلا ، أو بالعذاب مدة ، ويخرج إن لم يكن مستحلا ، ومات من غير توبة ولم يعف الله عنه ، فإن تاب الكافر قبل قطعا ، وإن تاب المسلم فقيل كذلك ، وقيل تقبل ظنا. إن قلت : لأي شيء اختلف في توبة المسلم دون الكافر؟ وأجيب : بأن رحمة الله سبقت غضبه ، فلو جاز عدم القبول لتوبة الكافر ، لكان مخلدا في النار ، مع أن رحمته غلبت غضبه. وأما المؤمن فهو مقطوع له بالجنة ، فلو لم يقبل توبته وعذبه ، فلا بد له من الرحمة ، انتهاء غاية ما هناك عذابه تطهير له.
قوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) اختلف في تفسير هذه الآية ، فقال بعض المجتهدين غير الأربعة : الآية عامة في كل شيء ، فأي شيء لم يذكر اسم الله عليه لا يجوز أكله ، وقال بعضهم : الآية مخصوصة بالذبيحة ، فمن ترك التسمية عمدا أو نسيانا لا تؤكل ذبيحته ، وقال بعضهم : إن تركها عمدا لا تؤكل ، وإن تركها نسيانا أو عجزا كخرس أكلت ، وبه قال مالك وأبو حنيفة ، وقال بعضهم : التسمية سنة ، فإن تركها عمدا أو نسيانا أكلت ، وبه قال الإمام الشافعي ، وعن الإمام أحمد روايتان : الأولى يوافق فيها مالكا ، والثانية يوافق فيها الشافعي ، إذا علمت ذلك فمحمل الآية ما أهل به لغير الله فقط ، لأنه المفسر به الفسق فيما يأتي في قوله تعالى : (أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ). وأما حكم الميتة فمعلوم من غير هذا الموضع ، وحملها المفسر عليهما معا وهما طريقتان. قوله : (أو ذبح على اسم غيره) أي