وجب ذلك عليه (لِيَذُوقَ وَبالَ) ثقل جزاء (أَمْرِهِ) الذي فعله (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) من قتل الصيد قبل تحريمه (وَمَنْ عادَ) إليه (فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ) غالب على أمره (ذُو انْتِقامٍ) (٩٥) ممن عصاه وألحق بقتله متعمدا فيما ذكر الخطأ (أُحِلَّ لَكُمْ) أيها الناس حلالا كنتم أو محرمين (صَيْدُ الْبَحْرِ) أن تأكلوه وهو ما لا يعيش إلا فيه كالسمك بخلاف ما يعيش فيه وفي البر كالسرطان (وَطَعامُهُ) ما يقذفه ميتا (مَتاعاً) تمتيعا (لَكُمْ) تأكلونه (وَلِلسَّيَّارَةِ) المسافرين منكم يتزودونه (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ) وهو ما يعيش فيه من الوحش المأكول أن تصيدوه (ما دُمْتُمْ حُرُماً) فلو صاده حلال فللمحرم أكله كما بينته السنة (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٩٦) (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) المحرم (قِياماً لِلنَّاسِ) يقوم به أمر دينهم بالحج إليه ودنياهم
____________________________________
(وجب ذلك) أي الجزاء بأقسامه الثلاثة ، وقوله : (لِيَذُوقَ) متعلق بقوله : (وجب) وكان المناسب أن يأتي بالواو ليفيد أنه كلام مستأنف ، وليس جوابا لقوله فإن وجده لفساد ذلك. قوله : (وَبالَ أَمْرِهِ) أي جزاء ذنبه الصادر منه ، ويؤخذ من ذلك أن قتل الصيد متعمدا للمحرم أو من في الحرم كبيرة ، ولو أخرج الجزاء فيحتاج لتوبة. قوله : (ثقل جزاء) (أَمْرِهِ) أي لأن إخراج المال ثقيل على النفس ، والصوم فيه إنهاك للبدن فهو ثقيل أيضا.
قوله : (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) أي لا يؤاخذ به ، فلا يرد أن ما قبل التحريم لا ذنب في قتله. قوله : (فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) أي يعاقبه. قوله : (فيما ذكر) أي في لزوم الجزاء ، وإن كان لا إثم فيه. قوله : (الخطأ) أي والغلط والنسيان. قوله : (كالسمك) أي وغيره من دواب البحر ، وإن كان على صورة آدمي أو خنزير. قوله : (كالسرطان) أي والضفدع والتمساح. قوله : (وهو ما يعيش فيه) الأولى ما لا يعيش إلا فيه. قوله : (من الوحش) استثنى الشارع الفأرة والحية والعقرب والكلب العقور والحدأة والعادي من السباع. قوله : (فلو صاده حلال) أي لنفسه أو لحلال ، وأما ذبحه لمحرم من غير دلالة من المحرم عليه ، فميتة عند مالك ، وعند الشافعي ليس بميتة. قوله : (كما بينته السنة) أي كما روي عن أبي قتادة الأنصاري قال : كنت جالسا مع رجال أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم في منزل في طريق مكة ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم أمامنا ، والقوم محرمون ، وأنا غير محرم ، وذلك عام الحديبية ، فأبصروا حمارا وحشيا ، وأنا مشغول أخصف النعل ، فلم يؤذنوني وأحبوا لو أبصرته ، فالتفت فأبصرته ، فقمت إلى الفرس فأسرجته ثم ركبت ، ونسيت السوط والسرع والرمح ، فقلت لهم : ناولوهما لي ، فقالوا : لا والله لا نعينك عليه ، فغضبت ونزلت فأخذتهما ثم ركبت ، فشددت على الحمار فعقرته ، ثم جئت به وقد مات ، فوقعوا فيه يأكلون ، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم ، فرحنا وخبأت العضد ، فأدركنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألته عن ذلك فقال : هل معكم شيء منه؟ فقلت نعم ، فناولته العضد فأكل منها وهو محرم ، زاد في رواية أن النبي قال لهم إنما هي طعمة أطعمكموها الله. قوله : (الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي لا إلى غيره ، فلا أحد غير الله يلتجأ إليه حتى يتوهم الفرار من وعيد الله.
قوله : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) يحتمل أن جعل بمعنى صير ، فيكون قوله الكعبة مفعول أول ، وقياما مفعول ثاني ، ويحتمل أنها بمعنى خلق فيكون قياما حالا ، والبيت الحرام عطف