قالَ هذا) ذكره لتذكير خبره (رَبِّي هذا أَكْبَرُ) من الكوكب والقمر (فَلَمَّا أَفَلَتْ) وقويت عليهم الحجة ولم يرجعوا (قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (٧٨) بالله من الأصنام والأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث فقالوا له ما تعبد قال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) قصدت بعبادتي (لِلَّذِي فَطَرَ) خلق (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي الله (حَنِيفاً) مائلا إلى الدين القيم (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٧٩) به (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ) جادلوه في دينه وهددوه بالأصنام أن تصيبه بسوء إن تركها (قالَ أَتُحاجُّونِّي) بتشديد النون وتخفيفها بحذف إحدى النونين وهي نون الرفع عند النحاة ونون الوقاية عند القراء
____________________________________
من القمر والبزغ الطلوع.
قوله : (قالَ هذا رَبِّي) أي بزعمكم كما تقدم. قوله : (يثبتني على الهدى) إنما قال ذلك لأن أصل الهدى حاصل للأنبياء بحسب الفطرة والخلقة فلا يتصور نفيه. قوله : (تعريض لقومه) إنما عرض بضلالهم في أمر القمر ، لأنه أيس منهم في أمر الكوكب ، ولو قاله في الأول لما أنصفوه ، ولهذا صرح في الثالثة بالبراءة منهم وأنهم على شرك ، أي فالتعريض هنا لاستدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم ، قوله : (فلم ينجع فيهم ذلك) أي الدليل المذكور. قوله : (لتذكير خبره) أي وهو ربي وهذا كالمتعين ، لأن المبتدأ والخبر عبارة عن شيء واحد ، والرب سبحانه وتعالى مصان عن شبهة التأنيث ، ألا تراهم قالوا في صفته علام ولم يقولوا علامة ، وإن كان علامة أبلغ تباعدا عن علامة التأنيث.
قوله : (هذا أَكْبَرُ) أي جرما وضوءا ، وسعة جرم الشمس مائة وعشرون سنة كما قاله الغزالي وفي رواية أنها قدر الأرض مائة وستين مرة ، والقمر قدرها مائة وعشرين مرة. قوله : (مِمَّا تُشْرِكُونَ) ما مصدرية ، أي بريء من إشراككم ، أو موصولة أي من الذي تشركونه مع الله فحذف العائد. قوله : (والأجرام) عطف عام لأنها تشمل الأصنام والنجوم. قوله : (قصدت بعبادتي) أي فليس المراد بالوجه الجسم المعروف ، بل المراد به القلب ، وإنما عبر المفسر بالقصد ، لأن القصد والنية محلهما القلب ، وإنما انتفى الوجه الحسي لاستحالة الجهة على الله. قوله : (خلق) (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي وما فيهما ، ومن جملته معبوداتكم العلوية والسفلية ، لقد أبطل السفلية بقوله إني. أراك وقومك في ضلال مبين ، والعلوية بقوله لما جن عليه الليل الخ. قوله : (حَنِيفاً) حال من التاء في وجهت.
قوله : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ) روي أنه لما شب إبراهيم وكبر ، جعل آزر يصنع الأصنام ويعطيها له ليبيعها ، فيذهب بها وينادي يا من يشتري ما يضره ولا ينفعه ، فلا يشتريها أحد ، فإذا بارت عليه ذهب بها إلى نهر وضرب فيه رؤوسها وقال لها اشربي استهزاء بقومه ، حتى إذا فشا فيهم استهزاؤه جادلوه ، وذلك قوله تعالى : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ) الخ. قوله : (وهددوه) عطف تفسير على (جادلوه) أي فمحاجتهم كانت بالتهديد لا بالبرهان لعدمه عندهم ومحاجة إبراهيم كانت بالبرهان ففرق بين المقامين. قوله : (أن تصيبه بسوء) أي كخبل وجنون.
قوله : (قالَ أَتُحاجُّونِّي) الخ ، استئناف وقع جوابا لسؤال نشأ من حكاية محاجتهم ، كأنه قيل فماذا قال حين حاجوه. قوله : (بتشديد النون) أي لإدغام نون الرفع في نون الوقاية. وقوله : (تخفيفها) أي تخلصا من اجتماع مشددين في كلمة واحدة وهما الجيم والنون. قوله : (عند النحاة) أي كسيبويه وغيره من