وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٤١) تقدم مثله (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ) الجهال (مِنَ النَّاسِ) اليهود والمشركين (ما وَلَّاهُمْ) أي شيء صرف النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين (عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) على استقبالها في الصلاة وهي بيت المقدس والإتيان بالسين الدالة على الاستقبال من الاخبار بالغيب (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) أي الجهات كلها فيأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء لا اعتراض عليه (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) هدايته (إِلى صِراطٍ) طريق (مُسْتَقِيمٍ) (١٤٢) دين الإسلام أي ومنهم أنتم دل على هذا (وَكَذلِكَ) كما هديناكم إليه (جَعَلْناكُمْ) يا أمة محمد (أُمَّةً وَسَطاً) خيارا عدولا (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) يوم القيامة أن رسلهم بلغتهم (وَيَكُونَ الرَّسُولُ
____________________________________
كَسَبَتْ) أي من خير أو شر. قوله : (وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) أي ولا يسألون عن عملكم. قوله : (تقدم مثله) أي وإنما كرره الله لمزيد بلادتهم فإن السامع إذا كان بليدا فالأبلغ تكرار الكلام له لإقامة الحجة عليه. قوله : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ) سيأتي للمفسر أن الآية من الإخبار بالغيب وحاصل ذلك أن النبي كان يستقبل الكعبة في صلاته وهو بمكة ، فلما هاجر إلى المدينة أمر باستقبال بيت المقدس ، فأنزل الله هذه الآية ليعلمه بأنه سيحوله للكعبة فيعترض عليه وليكون معجزة له من حيث إخباره بالمغيبات ، ثم نزل آية تحويل القبلة ، فمقتضاه أن هذه الآية متقدمة في النزول والتلاوة ، ودرج على ذلك جماعة من المفسرين ، والذي ورد عن ابن عباس وغيره أنها متقدمة في التلاوة متأخرة في النزول عن آية التحويل ، وحكمة الإتيان بالسين إفادة الإستمرار على هذه المقالة منهم ومن يأتي بعدهم ، والسفهاء جمع سفيه وهو من يتجنب المنافع ويتعلق بالمضار دنيوية أو دينية ، ولا شك أن الكافر تعلق بالمضار الدينية فكل كافر سفيه. قوله : (مِنَ النَّاسِ) بيان للسفهاء احترازا عن البهائم فإنها تسمى سفهاء أيضا. قوله : (اليهود) أي فإنهم اعترضوا على النبي وأصحابه في تحولهم عن جهة بيت المقدس إلى جهة الكعبة ، وقوله : (والمشركين) أي فإنهم اعترضوا عليهم في تحولهم أولا ورجوعهم ثانيا. قوله : (ما وَلَّاهُمْ) ما استفهامية والجملة بعدها خبر عنها. قوله : (إلى أي جهة شاء) أي فالأمر باستقبال جهة مخصوصة تعبدي لا نعقل له معنى. قوله : (هدايته) مفعول يشاء قوله : (ومنهم أنتم) أي من المهتدين أمة محمد صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (وَكَذلِكَ) اسم الإشارة عائد على الهداية. قوله : (أي كما هديناكم) (جَعَلْناكُمْ) أي فمن الله عليهم بمنتين الأولى الهداية والثانية جعلهم خيارا عدولا ، وجعل بمعنى صير فالكاف مفعول أول وأمة مفعول ثان. (وَسَطاً) هو في الأصل المكان الذي استوت إليه الجهات ثم أطلق وأريد منه الخصال الحميدة ، فالمعنى أصحاب خصال حميدة ولا شك أن من كان كذلك فهم خيار عدول. قوله : (خيارا وعدولا) أي أصحاب علم وعمل ولا يخلو زمان منهم لما في الحديث : «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك وما دام القرآن موجودا فهم موجودون» لقوله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) فلو لا أن أناسا موجودون بهذه المثابة ما بقي القرآن ، ونزول البلاء ليس دليلا على عدم وجود الخيار ، فإن الأنبياء كانوا موجودين مع حصول الخسف والمسخ بأممهم فليسوا أعظم من الأنبياء ، ولما في الحديث : «أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث».