يس فبكوا وأسلموا وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى قال تعالى (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ) من القرآن (تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا) صدقنا بنبيك وكتابك (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (٨٣) المقرين بتصديقهما (وَ) قالوا في جواب من غيرهم بالإسلام من اليهود (ما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِ) القرآن أي لا مانع لنا من الإيمان مع وجود مقتضيه (وَنَطْمَعُ) عطف على نؤمن (أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) (٨٤) المؤمنين الجنة قال تعالى (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ
____________________________________
صداق مبلغه أربعمائة دينار ، وكان الخاطب لرسول الله النجاشي ، فأرسل إليها بجميع الصداق على يد جاريته أبرهة ، فلما جاءتها بالدنانير وهبتها منها خمسين دينارا فلم تأخذها وقالت إن الملك أمرني أن لا آخذ منك شيئا ، وقالت أنا صاحبة ذهب الملك وثيابه ، وقد صدّقت بمحمد وآمنت به ، وحاجتي إليك مني أن تقرئيه مني السّلام ، قالت : نعم ، وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بما عندهن من دهن وعود ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحاصر خيبر ، قالت أم حبيبة : فخرجنا إلى المدينة ورسول الله بخيبر ، فخرج من قدم معي وأقمت بالمدينة حتى قدم رسول الله فدخلت عليه ، فكان يسألني عن النجاشي فقرأت عليهالسلام من أبرهة جارية الملك ، فرد رسول الله عليهاالسّلام ، وأنزل الله (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) يعني أبا سفيان وذلك بتزوج رسول الله أم حبيبة ولما بلغ أبا سفيان تزوج رسول الله بأم حبيبة قال : ذلك الفحل لا يجدع أنفه ، وبعث النجاشي بعد خروج جعفر وأصحابه إلى رسول الله ابنه أزهى في ستين من أصحابه وكتب إليه : يا رسول الله ، إني أشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا ، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك جعفرا وأسلمت لله رب العالمين ، وقد بعثت إليك ابني أزهى ، وإن شئت أن آتيك بنفسي فعلت ، والسّلام عليك يا رسول الله ، فركبوا في سفينة في أثر جعفر. حتى إذا كانوا في وسط البحر غرقوا ، ووافى جعفر وأصحابه رسول الله وهو بخيبر ، ووافى جعفر في سبعين رجلا ، عليهم الثياب الصوف ، منهم اثنان وستون رجلا من الحبشة وثمانية من الشام ، فقرأ عليهم رسول الله سورة يس إلى آخرها ، فبكى القوم حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى عليهالسلام ، فأنزل الله هذه الآية فيهم ، ولذلك قال قتادة : نزلت في ناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء بها عيسى عليهالسلام ، فلما بعث صلىاللهعليهوسلم آمنوا به وصدقوه فأثنى الله عليهم.
قوله : (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ) صنيع المفسر يقتضي أنه مستأنف حيث قال : قال تعالى ولذلك جعله بعضهم أول الربع ، ويصح أن يكون عطفا على لا يستكبرون. قوله : (تَفِيضُ) أي تمتلىء بالدمع حتى يسيل. قوله : (مِنَ الدَّمْعِ) من ابتدائية. قوله : (مِمَّا عَرَفُوا) من تعليلية و (مِنَ الْحَقِ) بيانية. قوله : (يَقُولُونَ) استئناف مبني على سؤال ، كأنه قيل فماذا يقولون. قوله : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) جملة مستأنفة جوابا للسؤال الوارد عليهم. قوله : (وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِ) معطوف على لفظ الجلالة ، أي لا مانع لنا من الإيمان بالله وبما جاءنا من الحق ، ويراد بالحق القرآن. قوله : (عطف على نؤمن) أي مسلطة عليه لا على سبيل الاستفهام الإنكاري ، والمعنى أي شيء ثبت لنا في كوننا لا نؤمن بالله ولا بالقرآن ، ولا نطمع في أن يدخلنا ربنا الخ ، مع وجود مقتضى ما ذكر. قوله : (بِما قالُوا) أي بسبب