مِنْ رَبِّكُمْ) أي القرآن (وَلا تَتَّبِعُوا) تتخذوا (مِنْ دُونِهِ) أي الله أي غيره (أَوْلِياءَ) تطيعونهم في معصيته تعالى (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (٣) بالتاء والياء تتعظون وفيه إدغام التاء في الأصل في الذال وفي قراءة بسكونها وما زائدة لتأكيد القلة (وَكَمْ) خبرية مفعول (مِنْ قَرْيَةٍ) أريد أهلها (أَهْلَكْناها) أردنا إهلاكها (فَجاءَها بَأْسُنا) عذابنا (بَياتاً) ليلا (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (٤) نائمون بالظهيرة والقيلولة استراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم أي مرة جاءها ليلا ومرة نهارا (فَما
____________________________________
تقديره هو ذكرى ، أو في محل جر عطف على المصدر المنسبك من أن المقدرة بعد اللام والفعل ، والتقدير أنزل للإنذار والتذكير. ولما كان النبي مكلفا بالتبليغ للكفار ، وإن لم يتعظوا به ، أسند الإنذار له ، ولما كانت الموعظة والتذكر قائمة بالمؤمنين عند سماعه ، أسندت لهم ، فالواعظ للكفار من غيرهم ، والواعظ للمؤمنين من أنفسهم ، وحيث كان القرآن منزلا لإنذار الكفار واتعاظ المؤمنين ، فلا يحل إخراجه عما أنزل له ، كأن يقرأه الشخص في الطرقات لطلب الدنيا ، أو ليتغنى به حيث يكون المقصود من القرآن الدنيا أو التلذذ بالصوت الحسن كما يتلذذ بالغناء ، فإن ذلك من الضلال المبين الموجب للعقوبة.
قوله : (اتَّبِعُوا) أمر لجميع المكلفين أو للكافرين. قوله : (مِنْ رَبِّكُمْ) إما متعلق بأنزل أو بمحذوف حال من الموصول. قوله : (مِنْ دُونِهِ) إما متعلق بقوله : (لا تَتَّبِعُوا) ، والمعنى لا تعدلوا عنه إلى غيره من الشياطين أو الكهان ، أو حال من (أَوْلِياءَ) ، لأنه نعت نكرة قدم عليها ، والمعنى لا تتولوا من دونه أحدا من شياطين الإنس والجن ، ليحملوكم على الأهواء والبدع. قوله : (بالتاء) أي مع تشديد الذال بعدها ، وقوله : (والياء) أي قبل التاء مع تخفيف الذال ، وقوله : (وفيه إدغام التاء) راجع إلى القراءة الأولى ، وقوله : (وفي قراءة بسكونها) صوابه بتخفيفها وفيه حذف إحدى التاءين فالقراءات ثلاث ، وكلها سبعية. قوله : (وما زائدة لتأكيد القلة) أي وقليلا نعت مصدر محذوف ، أي تذكرا قليلا أو نعت ظرف زمان محذوف ، أي زمانا قليلا ، والمصدر أو الظرف منصوب بالفعل بعده. قوله : (وَكَمْ) (خبرية) أي بمعنى كثيرا ، ولم ترد في القرآن إلا هكذا ، ويجب لها الصدارة لكونها على صورة الاستفهامية. قوله : (مفعول) أي لفعل محذوف يفسره قوله : (أَهْلَكْناها) من باب الاشتغال ، والتقدير وكم من قرية أهلكناها ، ويصح أن يكون كم مبتدأ ، وجملة (أَهْلَكْناها) خبر و (مِنْ قَرْيَةٍ) تمييز لكم على كل حال. قوله : (أريد أهلها) أي فأطلق المحل ، وأريد الحال فيه ، فهو مجاز مرسل. قوله : (أردنا إهلاكها) جواب عما يقال إن الإهلاك مسبب عن البأس الذي هو العذاب ، وظاهر الآية يقتضي أن العذاب مسبب عن الإهلاك ، فأجاب بأن الكلام فيه حذف. قوله : (بَياتاً) يحتمل أنه حال ، والتقدير جاءها بأسنا حال كونه بياتا أي في البيات بمعنى الليل ، أو ظرف وهو المتبادر من عبارة المفسر.
قوله : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) أو للتنويع ، والجملة حالية معطوفة على ما قبلها ، والواو مقدرة وإنما حذفت لدفع الثقل باجتماع حرفي عطف في الصورة ، وقائلون من قال يقيل ، كباع يبيع ، فألفه منقلبة عن ياء ، بخلاف قال من القول ، فهي منقلبة عن واو. قوله : (والقيلولة استراحة نصف النهار) هذا قول ثان في تفسيرها فتحصل أن القيلولة فيها قولان : النوم وقت الظهر ، أو الاستراحة في وسط النهار ، وإن لم يكن معها نوم. قوله : (أي مرة جاءها ليلا) الخ هذا تفسير مراد للآية ، وقوله : (جاءها) أي جاء بعضها ليلا