معهم وكانوا يقفون بالمزدلفة ترفعا عن الوقوف معهم ، وثم للترتيب في الذكر (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) من ذنوبكم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) للمؤمنين (رَحِيمٌ) (١٩٩) بهم (فَإِذا قَضَيْتُمْ) أديتم (مَناسِكَكُمْ) عبادات حجكم بأن رميتم جمرة العقبة وطفتم واستقررتم بمنى (فَاذْكُرُوا اللهَ) بالتكبير والثناء (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) كما كنتم تذكرونهم عند فراغ حجكم بالمفاخرة (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) من ذكركم إياهم ونصب أشد على الحال من ذكرا المنصوب باذكروا إذ لو تأخر عنه لكان صفة له (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا) نصيبنا (فِي الدُّنْيا) فيؤتاه فيها (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) (٢٠٠) نصيب (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) نعمة (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) هي الجنة (وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (٢٠١) بعدم دخولها وهذا بيان لما كان عليه المشركون ولحال المؤمنين والقصد به الحث على طلب خيري الدارين كما وعد بالثواب عليه بقوله (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ) ثواب «من» أجل
____________________________________
ويكون الخطاب لعموم الناس. قوله : (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) أي اطلبوا منه مغفرة ذنوبكم بتلك المواضع المطهرة فإنها مهبط تجلي الرحمات وإجابة الدعوات.
قوله : (مَناسِكَكُمْ) جمع منسك وهي العبادات التي عين الشارع لها أماكن مخصوصة ، كالطواف لا يكون إلا بالبيت ، والسعي لا يكون إلا بين الصفا والمروة ، والوقوف لا يكون إلا بعرفة ، والرمي لا يكون إلا بمنى ، فالمعنى أديتم العبادات في أماكنها المعهودة. قوله : (المفاخرة) كانت العرب في الجاهلية بعد فراغ حجهم يذكرون آبائهم بالخصال الحميدة نظما ونثرا فكان الواحد منهم يقول مثلا إن أبي كان كبير الجفنة أي القصعة فتاكا بالشجعان وهكذا لأنه يوما اجتماع للقبائل من العام إلى العام. قوله : (من ذكرا المنصوب باذكروا) أي على المصدرية. قوله : (إذ لو تأخر عنه لكان صفة له) أي لأن القاعدة أن نعت النكرة إذا تقدم عليها يعرب حالا وتعرب النكرة بحسب العوامل ، فيكون التقدير فاذكروا الله ذكرا كائنا كذكركم آباءكم أو أشد.
قوله : (فَمِنَ النَّاسِ) هذا بيان لحال من يقف بعرفة ، قوله : (مِنْ خَلاقٍ) من صلة. قوله : (نصيب) أي حظ وهذا دعاء غير المؤمنين بغير الآخرة ، وقوله ومنهم هذا هو دعاء المؤمنين بها. قوله : (نعمة) أي بركة وخيرا وذلك كالعافية والزوجة الحسنة والدار الواسعة وغير ذلك مما يعين على الدار الآخرة فكل أمر في الدنيا يوافق الطبع ويعين على الدار الآخرة فهو من حسنات الدنيا. قوله : (هي الجنة) أي دخولها بسلام بحيث يموت على الإسلام ولا يلحقه حساب ولا عذاب ويرى وجه الله الكريم ، وهذا أحسن ما فسر به حسنة الدنيا والآخرة ، وهو معنى قوله في الحديث لعائشة : «سلي الله العافية في الدارين».
قوله : (وَقِنا عَذابَ النَّارِ) من عطف اللازم على الملزوم ، وأصل قنا أو قنا حذفت الواو لوقوعها بين عدوتيها في المضارع ثم حذفت الهمزة للإستغناء عنها لأنه أتى بها توصلا للنطق بالساكن وقد زال ، وقد ورد أن المؤمن الناجي يكون بينه وبين النار مسيرة خمسمائة عام عرضا وعمقا. قوله : (بعدم دخولها) أي أصلا فلا ندخلها ولا نراها. قوله : (لما كان عليه المشركون) أي هو الأول ، وقوله ، ولحال المؤمنين أي وهو الثاني. ، قوله : (الحث على طلب خيري الدارين) أي لا التخيير بين كونه يدعوه بشيء